أنطولوجيا الحـب المغربي

-مختارات من القصة المغربية الجديدة-

 

 

"ولادة "

 

 

"  محروم من جعل الحب سجين اثنين وهو الذي احتواه العالم الاشمل

 محروم من جعل الحب شعور قلبين وهو الذي ضمه الكون الأكمل

 محروم من جعل الحب تآلف شخصين و حابيه 

الاشمل ...  الأكمل... الأجمل..."

 

-  وفاء الحمري-
شاعرة وقاصة مغربية

من مواليد 1964 بمدينة طنجة

 

 

 

تنزل من أعلى السرير ....تقطع مسافة عرض وطول الغرفة ذهابا وايابا ....تنبطح أرضا .... تمشي على أربع .... تتلوى من الألم .... تعض شفتيها .... تئن .... تئن .... تئن .... تصرخ .... تمسح بكمها قطرات العرق .... بلعت قبل قليل الكثير منها .... كانت مالحة .... لربما كانت الدموع المالحة .... اختلط السائلان فغلب طعم الملوحة .... لا تدري هي مصدرها ... حركت شفتيها ببعض آيات من الكتاب .... توقفت عند منتصف اقصر سورة ...  صرخت ... تلوت .... قطعت الزوايا الأربع للغرفة طوافا قسريا ... خمس مرات أو ستا أو سبعا ... لا تدري كم عدد الأشواط ... كل ما تعيه هي كان لحظة انزياح الألم ... تلتقط أنفاسها بخفة كأنها ستفر منها وتذرها جثة هامدة ... تستعيد أنفاسها ... تكمل قراءة السورة وتبدأ في تلاوة الدعاء .... دعاء الفرج...  فيتشق تحتها عن فيضان مائي بلل ملاءة السرير الأبيض .... صاحت فيمن حولها ... أتت الممرضة .... وخزتها بحقنة في وريدها أشعلت نارا تتلظى بها هي وحدها .... تتراءى لها الممرضة بتقاسيم وجهها الغير مبالية .... تتساءل قي نفسها هل هي أيضا مرت من نفس الطريق وتجرعت من نقس الكأس ؟

 

أصعدتها الممرضة فوق السرير .... يتربص بها الألم هناك .... تتحرك للنزول فتأبى الممرضة .... أضجعتها على ظهرها فزاد الألم .... وخزها في شغاف قلبها .... ثقل لسانها عن الكلام .... وهنت حبالها الصوتية فبح صوتها .... تحرك كفها للإشارة للجحيم الذي تعيشه ....تشير إلى أسفلها الذي يوشك على الانفجار .... لحست عرقها المدمع .... أو قل دمعها المعرق ....لا مذاق فيه .... لا حلاوة ولا ملوحة ...فقدت حواسها جميعا إلا حاسة الألم ... والممرضة الجامدة تتحرك كالآلة حولها .... لا أثر للحياة على قسمات وجهها ....لا أثر للحياة في نظرة عينيها التي تحدق في هذه الممددة على السرير كعيون جثث الموتى .... تخرج بكل هدوء وسط جحيم الألم وتعود على انين الصراخ والعويل .... تحقن بأصابع جامدة المرأة في الوريد .... فتلهبها .... تحرقها تكويها ...

 

هاهي ذي تحس آثار تمزقات تحتها .... تتحرك يمنة ويسرة فتجد نفسها مربوطة الى حافتي السرير وأصابع قدميها تطل عليها من تحت حافة الإزار الأخضر .... تستنجد .... تصرخ .... تتمزق .... تدخل المرأة الجامدة ... ترفع حافة الإزار فترى .... تحدق .... تتغير قسمات وجهها العبوس .... المهم أنها تحركت ... جرت مسرعة ثم عادت بالأخرى التي أدخلت كفها المغلف بقفازات تحت اللحاف .... جذبت .... جذبت ... جذبت .... ثم نزعت كفها فإذا هي حمراء تقطر دما فوارا .... دمها هي ... تفر هاربة .... تتبعها الممرضة الجامدة ... تبقى هي وحدها .... همد الألم .... فقدت الإحساس بأسفلها .... تبحلق في سقف الغرفة الأبيض اللماع ... تدير رأسها إلى الجانب الأيمن فتبدو لها حاملة الأدوات الجراحية .... تدير رأسها إلى الجانب الأيسر فترى ثلة من ذوي وذوات الوزرات البيض يهمسون فيما بينهم .... ينغلق الجمع وينفتح .... ثم ينفض في جميع الاتجاهات إلا وجهتها هي التي تتابع المشهد ... لا تدري اهي جزء منه ام ام متفرجة عليه .... مرت الدقائق كانها دهر ...

 

ما زالت لا تحس بأسفلها ... أصابع قدميها ما زالت تطل عليها من حافة الإزار الأخضر ... وحركة النساء الجامدات جمدت هي الأخرى .... لا حس ... لا حركة ... لا خبر ... تزغلل نظرها ... بدا لها من بين ظلال رموشها المبللة بالدمع خيال نوراني قي شكل امتداد ضوئي طويل ... طويل ... كأنه كهف لا قرار له... انتقلت هي سابحة وسط ذاك النور المشع فاختلطت به وراحت في غيبوبة عميقة...

فتحت عينيها على وجوه كثيرة .... رجال .... نساء ..... لباس ابيض .... أضواء كاشفة .... رائحة كحول مزكمة .... بدت لها الوجوه تتمايل حدقت أكثر فبدأت الصور تستقر ... تتموضع ....هاهي المرأة ذات القسمات الجامدة ومعها الأخرى ذات القفازتين اللتين تقطران دما ... دمها هي

نطقت أخيرا ... سالت عن الذي فعلوه وما الذي هم فاعلوه بها ...تكلمت الجامدة بعدما غادر الفيلق الأبيض الغرفة ...

قالت بوجه جامد : قد تمزق رحمك ...ومات جنينك ... فاضطر الأطباء لبتره بالكامل ... لك حق إجراء مكالمة مع ذويك ... ذاك الزر الأخضر تضغطين عليه ان احتجت لمساعدة هذه الليلة وعرجت صوب الباب بكل برودة والمرأة الممددة فوق السرير تنظر إليها مذهولة ... مأخوذة...

 

برد جسدها برودا شديدا .... عصرت بجفنيها دمعتين حبستا عنها الرؤية فسالتا .... رفعت رأسها قليلا فوصلت الدمعتان على  شكل مثلث حول جانبي انفها والتقيتا عند فمها الذي نشف ريقه ... لعقت الدمعتين الحانيتين فبلت بهما ريقها .... لحظتها أيقنت أن الملوحة في الدمع بكل تاكيد ....أغمضت عينيها وراحت في نوم عميق أفاقت منه على وجه المرأة الجامدة وهي تغرز حقنة في وريد كفها الايسر لتصلها بانبوب مطاطي ملحوق بقنينة زجاجية بها ماء شفاف يقطر القطرة تلو القطرة...

 

تنظر هي إليها ... إلى تلك الجامدة علها تجود بنظرة .... لا جدوى ... لا أمل ....حركات آلية سريعة .... أقفلت خارجة والمرأة الممدة فوق السرير تلاحقها بنظراتها .....غرقت في بحر  أحلامها وذكرياتها أعادتها منها رنة جرس كئيبة تعلمها بالمغادرة ...

 

 

 

الرجوع إلى مواد الانطولوجيا

 

 

خريطة الموقع

 

بَيَانَاتُ أدبية

"المدرسة الحائية"

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

مَقَالاتُ متخصصةُ

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

شَهَادَات فِي الإبْدَاعِ وَالتّلَقي

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

موسيقى الخلاص

ناس الغيوان

رهانات الأغنية العربية

سيرة ذاتية روائية

مجاميع قصصية على الخط

مجاميع قصصية مشتركة

يوميات

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

مترجمات

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

روابط ثقافية

الألبوم المفتوحُ

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

 

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

ENOTE

<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology2-index.htm</title>

<meta name="description" content="وفاء الحمري">

<meta name="keywords" content="قاصة مغربية، كاتبة مغربية