أنطولوجيا
الحرية
-مختارات
من القصة
المغربية
الجديدة-
"الفم"
"أرجوك
أن تكف عن
الخوض في هدا
الموضوع. لقد
قلت لك أن
الزواج لا
يهمني الآن.
إن ما أريده
يفوق ثراء
الثري وجمال
الغزال. ثم
إنك لا تستطيع
بتاتا تخيل ما
أحلم به، ولا
يمكن أن يدور
في خلدك، على
الإطلاق، ما
أرغب فيه"
عن نص "الفيل
والنملة"
عن
المجموعة القصصية
"زمن عبد
الحليم" 1994
الدكتور
محمد أنقار
ناقد
وروائي وقاص
مغربي
من
مواليد 1946
بتطوان
صدر له:
"بناء
الصورة في
الرواية
الاستعمارية:
صورة المغرب
في الرواية
الإسبانية"
(دراسة)،
1994
"زمن
عبد الحليم"
(مجموعة
قصصية)، 1994
"بلاغة
النص
المسرحي"
(دراسة)،
1996
"صورة
عطيل"
(دراسة)،
1998
"قصص
الأطفال
بالمغرب"
(دراسة)،
1998
"مؤنس
العليل"
(مجموعة
قصصية)، 2003
"المصري"
(رواية)،
2003
كان
الاكتشاف
مهولا.
التحديق فيك قوي
جدا. وحتى
درجة الحرارة
في جسمك
مرتفعة. طبعا،
ستتخاذل في
مشيتك عندما
تتحرك، و ستشعر
بأن النظرات
التي كانت
تثقب قفاك هي
الآن تمزق
وجهك، تجعله
يلتهب، و
كعادتك سترفع
يديك في
إيماءات
طائشة، إذ
المهم عندك هو
أن تحاول تغطية
فمك.. الفم
الذي كنت
تفتخر به دوما
مع ذاتك، و
تغتبط به في
بعض أحلامك.
تعرف
أنك ستأخذ
الترام لتنزل
إلى المدينة،
بذلك تستطيع
أن تتفادى
أكبر قدر من
البشر. و تعرف
أيضا أنك
ستنزوي في
مؤخرة الترام
ووجهك نحو النافذة
كأنك تتفرج؛
هكذا سيقولون
و لكنك في الحقيقة
تموت !..
الحكاية
بدأت منذ
اكتشفت أن لك
وجها.. أن لك عينين
و فما.. و أكد
المدرس لك ذلك
عندما سمعته
يتحدث عن
الشخصية و
علاقة الوجه
بها. ثم ازداد
الطين بلة لما
قال لك سارتر
إن لك عيونا،
و حاولت بعد
ذلك أن تقتني
نظارتين
سميكتين
كنظارتيه، و
فشلت: فقد
صدمك الطبيب
بأن قال لك إن
عينيك
طبيعيتان. كنت
تعرف أنه يكذب
لأنك تعلم
جيدا أن
التحديق يهلهلك
و يجعلك كنداف
ثلجي في يد
طفل.. و لكنك في الواقع
لا تذوب، ما
دام اللهيب
الذي عادة ما
يصحب التحديق
يبقيك متقدا..
يبقيك حيا..
تلك كانت
حكاية الأمس،
لكن، ألا تشعر
الآن بأنك
مقبل على
معركة مع
لاشيء، و أنت
نازل إلى المدينة
بفمك المريض
المقروح؟ ألا
تشعر بالاشمئزاز
لأنك ستثير
الاشمئزاز في
الأفراد القلائل
الذين
ستصادفهم في
الشوارع
الخلفية
للمدينة؟
مهما تحاول
التستر بيدك..
بصفحة الجريدة
أو بالكتاب
فأنك
ستشعر دوما
بأن عيون
الآخرين
تستطيع أن
تمزق كل حجاب،
و أنها ستشمئز
بقوة عندما
تنفذ إلى
ثنايا شفتك
المقروحة.
دخلت
مكتبة. تبدو
كأنك تعبث
بشاربك. تريد
أن تشتري
جريدة، وجدت
موضعها في
المكتبة
فارغا: ربما
تكون قد نفذت،
تحاول أن
تسأل، و لكنك
تتذكر فمك
فتلوي. ممر
المكتبة
القصير يبدو
لك طويلا.
تسأل الله أن
يختصره.. أن
تصل إلى
الشارع بسرعة
قبل أن تلتهمك
العيون التي
تشتري، أو قبل
أن ينادي عليك
صاحب المكتبة
الذي تعرفه،
ليكلمك في تلك
اللحظة
الكريهة،
ليقتلك..
ها أنت
الآن قد
استطعت أن
تتفادى
المرور في الشارع
الرئيس، و
هاهو
اطمئنانك
النسبي قد عاودك،
فكن على حذر
من أن يقبض
عليك صديق
لتتجول معه في
شارع محمد
الخامس،
فالمساء يوحي
بالحب و شفتك
مريضة و أنت
مازلت في أول
الشارع الخلفي
تبحث عن عدد
الجمعة..
وتخلصت
نهائيا من
المرور في
الشارع
الرئيس، و
تذكرت كيف كان
أفلوطين يقدس
الشفاه، لأن
الروح
الطاهرة تخرج
من بينهما.
هكذا كان
يقول. ثم
تذكرت أملك
البرجوازي،
بل حلمك
الغريب في أن
تسرق يوما
أجمل فتاة تمر
في الشارع
الرئيس، تفر
بها بعيدا،
تضعها بحنان
في عـش من
القش الأبيض،
ثم تـحاول، مع
أنفاس
المساء، أن
تقبلها بصمت..
بـرفق.. بتوقد
شعوري عظيم.
ولكي لا
تدنسك
برجوازيتها،
ستضع بين
يديها كتاب (اللامنتمي)
كتميمة
شافية..
هكذا
دوما تنتظر أن
يكون حبك الأول.
لهذا كله فإنك
دائم
الافتخار
بشفتك. وعندما
تناجي نفسك
تقول لجدار
غرفتك طبعا
وليس لأحد.
»
- لن
أقبّل حتى
أسخر كل أنواء
الطبيعة، كل
أنفاسها،
حينذاك سأخرج
من زهدي
الطويل و سأحب
بعمق.. «
وأفقت و
يدك تضغط على
شفتك
المقروحة.
سخرت من حلمك،
و تذكرت
بمرارة أن
خجلك المكين
سيضمن لك ذلك
الزهد الأبدي.
فكن مطمئنا
بأنك لن تقبّل
أية شفة..
و نسيت
أنك كنت تبحث
عن جريدة.
حاولت الذهاب
إلى مكتبة
أخرى و أخرى و لكن
من دون جدوى. و
تساءلت في
خيبة:
«- ما الذي
يمكن أن يكون
قد نشر في
الجريدة حتى نفذت؟..
أي خبر قد
يكون الناس
عرفوه إلا
أنا؟.. »
و
أخيرا تعبت. و
عندما أطبق
الظلام شعرت
بالتفاهة
تطبق عليك و
على فرنكاتك
الثلاثين. كنت
ستنسى حتما
شفتك و آلامها
و أنت تتطلع إلى
الصفحات
الداخلية
للجريدة في
ضوء مصباح كئيب
في شارع خلفي..
وأخيرا
هرولت في
الظلام حيث
يموت الآخرون
و حيث تفشل
نظرية سارتر.
كنت تفكر في
أشياء عديدة ،
في الانتقام
من الشارع
الرئيس.. من
صاحب مكتبة لم
يجبك.. من فمك..
ووضعت يدك
اليمنى في جيب
سترتك
الداخلي، و
تحسست في رفق
قلمك الذي
ينام هناك، ثم
تذكرت فشلك
الدائم في
الكلام. و
تابعت
الهرولة، ثم
جريت كمتسابق
لا يعرف كيف
يجري. و ناجيت
نفسك ببعض
العزاء:
«- من حسن
الحظ أن لا
أحد يستطيع
رؤية وجهي في
الظلام.. »
وتذكرت
في نشوة سقيمة
كل
المنبوذين، كل
معذبي
البشرية
الذين قرأت
عنهم.. ثم لم
تحاول
التفكير في
الطريقة التي
ستحصل بها على
عدد الغد،
لأنك كنت
متعبا و لأنك
كنت تتمنى
حلول اللحظة
التي ستدفن
خلالها وجهك
في كتاب..
خريطة
الموقع
جميع
الحقوق
محفوظة
للمؤلف
ALL RIGHTS
RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology3-index.htm</title>
<meta name="description" content="محمد
أنقار">
<meta name="keywords"
content="قاص
مغربي، روائي
وباحث مغربي في مجال
الفنون
الشعبية