أنطولوجيا الحرية

-مختارات من القصة المغربية الجديدة-

 

bouzidi_mohamed

 

"اليتيم"

 

 

ما أجمل دموع طفلتي الصغيرة (...)  وهي تواصل زمنها الخاص متجهمة أحيانا، مبتسمة أحيانا أخرى.. ببراءة طفولية . تفكر… تواصل مرحلة تدرك بإحساسها الفطري أنها مرحلة عابرة قسرا ولن تعود .

        وفي غفلة مني تتعلم إثبات الذات بطريقها الخاصة،  تبكي حين يبعد عنها الثدي لتعليمها أكل المأكولات الأخرى،  وتحتج حين ارفض لها طلبا (...) تنتزع كل شيء أمامها وترميه جانبا حين تمل منه، ولا تتردد في لمس كل شيء ولو كان خطيرا بجرأة خاصة كخيوط الكهرباء أو الأزبال. تمزق. تكسر (...)   تقف منتصبة كاللقلاق في عشه السحري الشاهق.  تحاول الحركة بتثاقل… وحين تتعب الأم في مراقبتها لا تتردد في إغلاق الباب. لكنها تصيح رافضة السجن الأولي الذي يعتقل فيه الصغار قبل الكبار في مرحلة خاصة من حياتهم."

 

عن نص "دعاء"

عن المجموعة القصصية "مواويل الأحزان" 2008

 

محمد البوزيدي

روائي وقاص مغربي

من مواليد مدينة زاكورة، جنوب المغرب

 

صدر له:

"وطن بحجم غرفة"، 2007

- رواية -

 

"مواويل الأحزان"، 2008

- مجموعة قصصية -

 

له قيد الإعداد للطبع:

"عتبات الطريق"

- مجموعة قصصية -

 

 

 

 

 

الساعة العاشرة والنصف صباحا ، وضع المسكين محفظته في باحة الشقة القديمة بالمنزل المتكون من غرفتين ، وانساح ببصره بعيدا في الزقاق .

هاهو يتطلع لحياة يومية جديدة على مقاسه الخاص ، وعلى عتبة المنزل البئيس يقرأ تضاريس حومته القاسية الفقر ...ويكرر التقاط المشاهد اليومية المؤلمة...

لا ينبس ببنت شفة ، لكن التجاعيد المتراكمة  على محياه وجبهته الصغيرة تنبئ عن كل شيء ...إنه يعيش وسط عائلة مشتتة ، وبين ما درسه اليوم في حصة الآداب الإسلامية ...وطموحات المستقبل ...وراهن الحال ...جبال عريضة ومرتفعات شاهقة  من المفارقات العجيبة...

لم يدر كيف يصف شعوره وهو يتعثر في الجواب حين سأله المعلم عن أبرز القنوات التلفزية في البارابول .

حاول الإجابة لكنه تعثر وسط دهشة المعلم الذي ظنه يمزح. التفت لآخر ليجيب نيابة عنه. كادت الإجابة تخرج من بين شفتيه  لكن سرعة المعلم في الانتقال بين الأصابع الرشيقة التي ترتفع وتتزاحم هنا وهناك في القسم الصغير منعته. لكنه سمع زميله يهمس لزميلة تجلس معه:

-"إنهم لا يملكون البارابول فحتى التلفاز الوحيد الأبيض والأسود باعه أخوه الأكبر ليوفر جزءا من مخدر الحشيش الذي اعتاد تناوله كل يوم"...

وبعد عودته من المدرسة ،  مازال لم يتناول فطوره... ولا أحد يشكو إليه قسوة الزمن الغادر ...مازالت أخته لم تلج البيت لتحضر خبزا من الدكان المجاور ...مازالت في ورشة العمل التي تمتد من العاشرة ليلا إلى منتصف النهار ...إنها تعمل في أحد الكباريهات كراقصة مدللة ...فرغم أن عمرها لا يتجاوز 16 سنة فرنين الهاتف الذي تحمله لا يتوقف،     والكل يتصل متطلعا لموعد تحدده بمعاييرها الخاصة التي تتجلى في المبلغ المتفق عليه، ووظيفة المتصل ومركزه الاجتماعي ...

ورغم بعض ثرائها البادي ظاهريا فما زالت تصر على السكن في هذا الحي الذي نشأت فيه لتغيظ البعض من صديقاتها الذين فشلوا في شق نفس الطريق التي وجدت نفسها فيه ذات يوم وعلى غير ميعاد، فأصبحت الصدفة خير من ألف ميعاد...

الجوع يحاصر جسده الهزيل ...حاول البكاء، لكنه تراجع، فقد اكتسب مناعة قوية ضد الدموع المتراكمة عليه كل يوم ...إنه يبكي بقلبه الصغير كل لحظة ...بفعل الصدمات النفسية التي لا تنتهي...ناهيك عن عقاب المعلم في المدرسة ...الذي لا يعرف عنه سوى اسمه الشخصي والعائلي في لائحة تسلمها من إدارة المؤسسة...

يتذكر أمه التي اختفت قبل عامين تاركة كل شيء ...ويحكي الجيران أنها التحقت بالأب الذي فر بدوره بعد اكتشاف حمل ابنته من أحد أغنياء البترودولار ...لم يتحملا كلام الجيران ولا عتاب الأهل المشهورين بورعهم منذ أجيال ...

في كل لحظة يسمع نداء لأحد الأطفال مناديا  أمه: ماما ...

قد تمر إحداهن مرفقة بطفلها فيتحسرويتمنى لو كان في نفس الوضعية متمتعا بشفقة الأمومة المفقودة.

يحضر أخوه فجأة ...يزجره آمرا إياه الدخول للمنزل  ومغادرة الزقاق:

- "خذ دفاترك ودروسك المسائية "

حاول أن يطلب منه نقودا ليشتري خبزا يطعم به جوعه الذي وصل مبلغا قويا ...لكنه تذكر أن هذا الأخ أتى ليأخذ شيئا من المنزل لبيعه من جديد من أجل الخمور ...

قال في نفسه :

-  لو كنت تدرك أهمية القراءة لقرأت أنت الأول...

بعد ربع ساعة تدخل أخته...يتأمل جسدها ...عيونها منتفخة من السهر ...رائحة الخمر مازالت تنبعث من فمها...

حيته بتثاقل واضعة أمامه قفة آمرة إياه بتناول شيء ...

حين فتح السلة التي احتوت أوراقا مالية كذلك، وجد ألوانا من المأكولات : موز، تفاح، لحم، خبز، وبقايا حلوى لم يعرف اسمها.

بدأ في التهام كل ما وجد أمامه ...لكنه توقف بعد حين،     فرغم الشهية الممتعة التي قد يحلم بها أي شخص آخر يجد تلك المأكولات أمامه ، فقد كان المذاق في فمه مرا   وهو يتذكر أن المقابل هو عرق أرداف أخته...

في لحظة انتبهت  للأمر ...حاولت السؤال عن السبب لكن قسمات وجهه تدل على كل شيء ...أدركت السبب فصمتت متذرعة برغبتها في النوم الذي لم تنعم به منذ زوال أمس .

أرجع جزءا مما مضغه من فمه وأتبعه بقيء ...وصراخ على أبيه وأمه المفقودين...

في لحظة حرج أمام أخته التقت العينان ، أخذ محفظته وخرج   لقد  حان وقت الذهاب للمدرسة.  لكنه عازم على عدم الرجوع ثانية إلى ذلك البيت...

                                                                                  

 

 

 

 

 

الرجوع إلى مواد الانطولوجيا

 

 

خريطة الموقع

 

بَيَانَاتُ أدبية

"المدرسة الحائية"

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

مَقَالاتُ متخصصةُ

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

شَهَادَات فِي الإبْدَاعِ وَالتّلَقي

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

موسيقى الخلاص

ناس الغيوان

رهانات الأغنية العربية

سيرة ذاتية روائية

مجاميع قصصية على الخط

مجاميع قصصية مشتركة

يوميات

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

مترجمات

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

روابط ثقافية

الألبوم المفتوحُ

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

 

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

ENOTE

<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology3-index.htm</title>

<meta name="description" content="محمد البوزيدي">

<meta name="keywords" content="قاص مغربي، روائي وباحث مغربي في مجال الفنون الشعبية