أنطولوجيا
الحرية
-مختارات
من القصة
المغربية
الجديدة-
"اعويشة"
"جاءت
من بلدها في
جنوب الضفة
الأخرى هاربة
من كوابيس
ونهايات
عديدة، فوجدت
شابا يعبث بالزمن،
اسمه احمد
الحوات.
انتشلها
بطرقه السحرية
من عوالم
كئيبة،
وأدخلها
فضاءات رحبة،
فركبا معا
صهوات حمراء
تختلف تضاريسها،
وتتباين
دروبها
واتجاهاتها."
عن نص "مطر
الوصل"
عن
المجموعة
القصصية "توازيات" 2005
محمد
الشايب
قاص
مغربي
من
مواليد مشرع
بلقصيري
صدر له:
"دخان
الرماد"، 2000
-
مجموعة قصصية
-
"توازيات"،
2005
- مجموعة
قصصية -
ذهبت،
ثم آبت، وشتان
بين الذهاب
والإياب. ذهبت
مختفية داخل
تجاويف ليل
بهيم، وعادت
في واضحة
نهار، شمسه
ساطعة. ذهبت
في جلباب
كخيمة متحركة،
وعادت في لباس
ضيق، يعرض
بسخاء مفاتن
الجسد. ذهبت
بوجه لا يعرض
إلا سمرته،
وشفتين لا تلبسان
غير لونهما،
وعادت معرضا
من الألوان،
أو قل دمية
بشعة مليئة
بالمساحيق. ذهبت
بعينين
مفتوحتين في
وجه الشمس
والرياح، وعادت
بهما خلف
نظارتين
سوداوين. ذهبت
بشعر طويل
أسود، وعادت
به قصير أشقر.
خرجت من الحي
يومئذ ماشية
على قدمين
مرتعشتين،
ورجعت اليوم
تقود سيارة
فاخرة.
عادت
عويشة بعد
سلسلة شاهقة
من الغياب،
فأوقفت
سيارتها أمام
البراكة،
ونزلت في
دلال،
تستقبلها
الأحضان. بعد
السلام
والعناق وبعض
الدموع،
أسرعت الأم
إلى إحراق
البخور،
بينما توجه
الأب يفرغ
السيارة من
الحقائب وبعض
الأشياء
الأخرى، ثم
توالت وفود
الجيران
تهنئه
بالعودة،
وتفوز ببعض أخبار
عويشة وما جد
في حياتها.
فكما كانت
هجرتها سببا
في نشاط
الألسن كانت
عودتها كذلك،
حيث تاهت الأفواه
في موج
الكلام، ومضى
الناس في
موضوعها
يبحرون،
يتجاهرون
حينا،
ويتهامسون
حينا، يصدقون
مرة، ويكذبون
مرات. المهم
أن هذه الفتاة
التي لم تكن
سوى عاملة
موسمية في
ضيعات البرتقال،
أصبحت تحرك
أفواه الحين،
حركتها يوم
اختفت، ثم
عادت لتحركها
أكثر وقد رجعت
غانمة،
ومتغيرة من
أخمص القدمين
إلى قنة
الرأس.
تاهت
مراكب الحديث
بعيدا، وأخذ
الناس كل يوم يتيهون
أكثر، والسبب
أن عويشة التي
أخذت تظهر كل
يوم بلباس
جديد، بل إن
طريقة كلامها
أيضا تغيرت،
وتغيرت حتى
مشيتها، كل
شيء تغير فيها،
وظهرت النعمة
واضحة عليها،
وعلى أبويها،
وأخذ الخطاب
يتوافدون
طالبين يدها.
تركزت كل
الأعين، إذن،
حول هذه
الفتاة كانت
من قبل منسية
لا يبالي بها
احد، فخشيت
الأم على
ابنتها من
أعين
الحاسدين،
فأخذت تواظب
على إحراق البخور،
وتصطحبها
باستمرار عند
الفقيه، يكتب
لها الأحجبة
والتعاويذ.
غابت
سنوات، ثم
آبت، اجتازت
حيطان
الغياب، وعادت
لتوقع على
حضور الآخر في
صدر حيها
القصديري.
انقطعت سلاسل
الغياب،
وسمحت لها
بفجوة تطل من
خلالها على
الأهل والحي،
لتعود بعد أيام
قلائل إلى
أحضان غيابها
الذي لاذت به
ذات ليلة
شتوية باردة.
تسللت
خلسة تتستر
بليل أعزل.
جافة خرائطه،
موغل في
الغياب قمره،
مريضة نجومه،
خالية دروبه،
ورحلت تحمل
حقائب
أحزانها.
استنجدت
بالبحر الذي
فتك
بالكثيرين
قبلها
وبعدها،
وارتمت في
عبابه، ونسيت
أنه غدر بكبار
البحارين. نسيت
كل شئ، أو
أرغمت نفسها
على ان تنسى،
وعانقت الموج
بغية الهروب
من الضفة
الأخرى،
الضفة التي
استهوت طارقا
أولا، فتحها
بعد أن أحرق
السفن، وقال
خطبته
بالعربية !
مضطربة،
مرتجفة،
حائرة،
مرتعشة كغصن
تلهو به
الرياح كانت،
لكنها لم
تستسلم، لم
تتراجع شبرا
إلى الخلف. عاليا،
غاضبا،
متوترا كان
الموج. مظلما،
باردا، موحشا
كالموت كان
الليل. مكدسا،
مهترئا، وَهِناً
كان المركب.
لكنها لم تندم
لحظة، لم تبك،
ولم ترد أن
يتراجع، قيد
أنملة،
مركبها ، تريد
ان تنقض عل
ذلك الشمال
العجيب،
وترحل عن هذا
الجنوب
التعس، ضفتان
غريبتان
وهما، وشاء
الأبيض أن يقف
بينهما،
ويتفرج،
بعيونه الساحرة،
على ما يجري
هنا وهناك.
واعويشة هذه
الفتاة
الجنوبية
الثكلى
بالجراح،
ضجرت من جنوبها،
ولم تعد
تطيقه، فهو –
عندها- جاف
وكئيب، ولم يرها، قط،
اليوم الأبيض.
أما الشمال فهو
حلم ساحر.
تطير فراشاته
جذلى من شفاه
الجنوبيين،
وتهطل
الحكايات
غزيرة حول
رفاهية بنيه وبناته !
لم
تتوان لحظة،
لم تتقهقر،
ولم تنصت
لنداءات الضعف
داخلها،
وواصلت
مقاومتها
للعباب الذي انتصب
أمامها
كالرواسي،
تقاوم، وتضرب
بضعف العوامل
المساعدة قوة
العوامل
المضادة، وتمد
كلتا يديها
لذلك الشمال،
وتتشبث
بالعبور إليه،
يزداد تشبثها
كلما اقتربت
أكثر، فتلك الضفة
– عندها – هي
الحلم، هي
الملاذ، وهي
البستان الفائح
بنسائم كل
النعم
والحريات ! فإما
أن تصل، وتنعم
بلذة الوصول،
وإما أن تسقط
بين أنياب
العباب،
فتقدم نفسها
طعاما لذيذا
لسمك الأبيض
الذي تعود على
هذا النوع من
الطعام. هكذا
كانت تحدث
نفسها،
وتصارع
بأسلحة ضعفها
خميس البحر
المدجج بكل
ألوان
الهيجان،
تقاوم وهي ترتعش،
ترتجف، تكسر
ظلمة الليل
بنظرات كقذائف
الهَاوُنْ،
تصيح، تصرخ،
تولول، تشير
إلى نقطة
الوصول التي
أخذت تقترب
وتلوح
أنوارها، تتشبث
أكثر، تستجمع
ضعفها، يتحول
إلى قوة، تواصل
مقاومتها، لا
تريد أن تخسر
الحلم وهي في نهاية
المعركة، وهي
بعد أمتار
ضئيلة، وهي
أمام حلمها،
أمام أضواء
الشمال. شاطئ
النجاة يفتح لها
الأحضان،
فتضع رجليها
الحافيتين
على الرمل
المبلل، وهي
تكبر كما كبر
كبار
الفاتحين ! ثم تحاول
التقاط
أنفاسها
الهاربة، وهي
تشد على قلبها
وقد قطارا
سريعا لا يعبأ
بالمحطات.
دخلت
لائحة
الفاتحين
الجدد، عفوا
الحراڴة.
والأهل
والجيران لا
يعلمون. بدأ
غيابها يرسل
روائحه في
الحي كله،
وشرعت الألسن
تسبح عارية في
بحر هذا
الاختفاء.
هناك من قال
أنها تزوجت
الاسباني
الذي يجمع
الحلزون في
مخازن، ثم ينقلها
عبر شاحنات
إلى بلده،
وهناك من قال
غنها حملت من
شخص ما،
وسافرت إلى
مدينة كبيرة
لتستر
فضيحتها،
ودهب آخرون
إلى أنها
تشتغل في حالة
بمدينة أخرى،
بينما أقسم
أحدهم بيمينه
أنه شاهدها في
منزل من منزل
الدعارة !
وتواصلت
السباحة في
هذا اليم،
وتاهت مراكب الألسن،
وقد وجدت لها
موضعا
ينتشلها،
مؤقتا، من صهد
الروتين
والفراغ، لكن
الأبوين ظلا
ساكتين يبكيان
في صمت،
ويمدان الأكف
إلى السماء
طالبين لطف
الله.
خريطة
الموقع
جميع
الحقوق
محفوظة
للمؤلف
ALL RIGHTS
RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology3-index.htm</title>
<meta
name="description" content="محمد
الشايب">
<meta
name="keywords" content="قاص
مغربي