أنطولوجيا الحرية

-مختارات من القصة المغربية الجديدة-

 

moustafa_jebari

 

"روزانا"

 

"في طريقي إلى جامع للا عائشة الخضراء، كنت أسال والدي دائما عن اللقلاق الذي يعشق بناء عشه فوق رأس الصومعة.

كان والدي يحملني ويدثرني بسلهامه، يمسح الدموع عن عيني ويعدني بشرح هده القصة بعد أن أحفظ لوحي. وأثناء استظهار ما حفظت سيشرح لي كل ما كنت ارغب فيه.

فعلا، كان والدي مخلصا لا يبخل علي بالحكايات والقصص الجميلة، إلا أنني كنت ألاحظ استياءه وتدمره عندما يقارب بيني وبين الناس. ربما تفسير دلك خوفه من أن انقاد إلى حياة اللهو والمجون وان أكون مثل "النصارى"، جميع الفقهاء يؤكدون على حفظ القرآن ثم حفظ المتون والالتحاق بالتعليم الديني، الفقيه يكون ولده فقيها ، الخياط يكون ولده خياطا والحداد كذلك. تربية تتأسس على الوهم أكثر مما تتأسس على الواقع المعيش."

عن نص "ماركوس"

عن المجموعة القصصية "وحين يكون الحزن وحده"، 1998

 

- عبد السلام الجباري -

قاص مغربي

من مواليد سنة 1945 بمدينة القصر الكبير

 

صدر له:

"وحين يكون الحزن وحده"، 1998

- مجموعة قصصية -

 

 

 

حين تشرق الشمس من الجهة الشرقية، تخرج روزانا إلى حديقة البلدية. تختار مقعدا بجوار شجرة التوت، ذلك المقعد الذي يحمل بصمات أندلسية. في وسط المقعد توجد أرقام مرسومة بقطع فسيفساء صفراء: ( 1929 )... تعرض روزانا ساقيها المليئتين شحما ولحما، تزيح خمارها عن وجهها المدور كخبز بلدي، تدير بلسانها شيئا يشبه قطعة علك، أحيانا تفتح فمها فيتخيل لك أنها تخاطب شخصا ما خلف ظهرها. أو أنها تردد أغنية شعبية، تمرر خمارها الأخضر على عنقها مرة وعلى قفاها وأنفها مرة ثانية. إنها سهل أو جبل للترهة والاستراحة في انتظار العابرين.

   

كم مرة فعلت روزانا ذلك؟ 

  

يقول حارس الحديقة للرجل العجوز:

- عشرات المرات...

   

يرد العجوز وهو يدخل غليونه في فمه:

 - وما شأنك أنت... !

 

 يقول حارس الحديقة:

 - لم نكن نقدر في عهد الإسبان على فعل ما تقوم به روزانا... في تلك الأزمنة كانت أماكن القحب محددة، أما في زماننا هدا فكل الأمكنة هي للقحب.

 

كنت منشغلا بقراءة أخبار جريدة يسارية. في نفس الآن، كنت أتتبع بشكل متقطع حوار الرجلين. حوار ممتع، يعكس شكل التطور الذي لحق بمجتمعنا المدني... إن ما يحدث هنا في هذه الحديقة، يحدث في أي مكان آخر. ربما بشكل أسوء وأكثر سوقية، لا شيء يدعو هنا إلى التساؤل والفضول... روزانا كائن طبيعي وأكثر من طبيعي. إنها تبحث عن معيش بأسلوبها الخاص. إن جسدها هو الورقة الأخيرة التي يمكن أن تلعب بها عند الحاجة. قلت في نفسي: "لو سئلت روزانا عن أفعالها ترى ماذا ستحكي؟". قلت: "ستكون حكايتها تلخص، بشكل مضمر أو علني، سر هذا الفحش أو سر هذا الفجور اللذين انتشرا داخل الشرائح الاجتماعية المختلفة التي نتفرج عليها ولا احد يحتج عليها باستثناء خطباء الجمعة وعلماء الاجتماع البورجوازي. أما أصحاب التحليل النفسي، فعاجزون عن إضافة كلمة أو جملة عما نحته العم فرويد".

   

تقول روزانا: "عندما مات والدي، لم يبق أمامي سوى الشارع و"سور المعكازين". كانت أمي بدورها تمارس الفجور. مرة وأنا مازلت في بداية الرحلة وبراءة الأطفال، وجدت أمي مع رجل يرتدي بذلة عسكرية وهي تنسلخ من تحت أقدامه كأفعى رقطاء تجفف بيدها قضيب الرجل. لازال ذلك المشهد عالقا بذهني. وقتئذ حاولت أمي تزويجي لرجل كان يشتري لها النبيذ ويدفع لها. وحين تعب كل واحد من الآخر، طلبت مني الارتباط به قهرا. تأمل كيف تعامل الأمهات بناتهن!!!"

 

تقرر مصير روزانا حين رفضت ذلك الرجل الذي كان يلتهم جسد المرأة الأم، فأراد أن يلتهم جسد ابنتها، هي الآن تحاول أن تنجو بنفسها بعد أن ماتت أمها. تلك المرأة المجنونة، التي من أجل شهوتها وشهوة الرجال تنكرت لكل القيم ورمت بروزانا إلى متاهات الضياع يفترسها الوقت وينهش لحمها الغرباء. تظل روزانا صامتة، ففي الصمت تتجلى إرادة العاهرات. إن الجسد هو الذي يحكي الآن. لا داعي للتكفير والتفكير. إنه زمن يشبه كل الأزمنة التي تتعرض فيها النساء للاغتصاب... مرة باسم لقمة العيش، ومرة باسم الاستعلاء والكبرياء الذين يمزقان نفسية المرأة...

- مسخوطة روزانا.!!!

 

الأنا الأعلى يصب جم غضبه على روزانا وأمثال أمثال روزانا. هكذا تحاول الأنا أن توزان بين الشبق والقيم الأخلاقية. يبدو، في حالة روزانا، أن الأمر أكثر من ذلك. إنه الصراع بين شيئين: المعيش من جهة، وضوء الحياة والعشق من جهة أخرى.

 

لم تعد روزانا تظهر كجسد منهوك فوق المقعد الأندلسي. ربما شيء جديد طرأ. لقد نبتت علامة "قف"... مكان المقعد الذي يحمل الرمز الدال... إنها فكرة المجلس البلدي.

 

 

 

 

 

الرجوع إلى مواد الانطولوجيا

 

 

خريطة الموقع

 

بَيَانَاتُ أدبية

"المدرسة الحائية"

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

مَقَالاتُ متخصصةُ

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

شَهَادَات فِي الإبْدَاعِ وَالتّلَقي

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

موسيقى الخلاص

ناس الغيوان

رهانات الأغنية العربية

سيرة ذاتية روائية

مجاميع قصصية على الخط

مجاميع قصصية مشتركة

يوميات

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

مترجمات

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

روابط ثقافية

الألبوم المفتوحُ

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

 

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

ENOTE

<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology3-index.htm</title>

<meta name="description" content="مصطفى الجباري">

<meta name="keywords" content="قاص مغربي