أنطولوجيا الحرية

-مختارات من القصة المغربية الجديدة-

 

serari

 

"الطائر والقفص"

 

"ما الحرية؟

قصيدة ممشوقة

رأيتها في الليل تعبر المساء

دامية

ونسمة طهرية،

وديعة

تقاوم العواصف المدوية

أغنية ترددت

على الشفاه باكية،

ونبضة

تغتال ألف مرة

ومن رمادها تعانق الحياة ثانية

وخيط نور ساطع

يخترق

الغيوم الداجية

الحرية

تظل رغم مايحوطها

من المُدى

خالدة وعالية

في البحر موجة

على مشارف

الرمال ساجية"

 

- مليكة صراري -

 شاعرة وقاصة مغربية من مواليد الدار البيضاء

 

 

صدر لها:

"سرق الصباح طفولة أمي"

(ديوان شعري)

 

لها قيد الطبع:

"رعشات من معطف الليل"

(مجموعة قصصية)

 

 

 

وقفت أمام بائع الأقفاص استجابة لهواية طفلي المرتبطة باعتقال الطيور وقد كنت وعدته، بعد حصوله على معدل جيد، بإهدائه عصفورا في قفص دون أن  أدري لماذا ارتأيت أن أبدأ أولا بشراء القفص. ربما لأنني خشيت من ارتفاع أسعار الأقفاص لما يشهده الانفجار السكاني من زحف. وبالفعل، كان  صف  زبناء الأقفاص طويلا. كل يود شراء قفص للسكنى  وقد كنت ملزمة بالوقوف في آخر الصف رغم أنني خمّنت أن عدد الأقفاص أقل بكثير من عدد الواقفين. لكني احتملت أن يجمعنا البائع في قفص واحد- رغم براءتنا- لنتعايش، أو أن تكون لدى البائع عينة من الأقفاص  قد يبيعها في السوق السوداء. كنت أعلم أن هذا قد يكلفني ثمنا إضافيا غير أنني لم أكثرت للأمر. المهم، أن أحصل على القفص ثم أجهزه وبعد دلك أبحث عن طائر.

كانت الأقفاص القليلة في ألوان متنوعة وكان لا بد لي أن أستشير طفلي الذي أصرّ على الإخلاص للون فريق في كرة القدم. رغم أن فضاء القفص لم يكن يسمح لا بتحريك الكرة ولا بحرية حركة اللاعبين. حين وصل دوري، وجدتني أمام قفص واحد لم يترك لي خيارا لا في اللون ولا في الحجم. ورغم دلك فقد كنت أكثر حظا ممّن يوجدون خلفي ...

قبل أن أستلم القفص، وللتأكد من سلامة قضبانه، اقترحت علي إحدى الواقفات خلفي أن نقتسمه بفاصل أفقي حتى يصبح أقرب إلى عمارة من قفصين تسكن كل منا طابقا معينا بعد إجراء القرعة  ونلتزم معا ألا ترفع إحدانا رأسها لضيق المجال. بدت لي الفكرة رائعة في البداية. وقبل أن نوقع عقد الشراكة، رفع البائع  سومة القفص بشكل صاروخي. وحينما شرعنا في الاحتجاج، حاول إقناعنا بأن الفاصل الذي سيبنيه بيننا يتطلب رخصة سرية  لأنه بناء عشوائي يكلفه مصاريف إضافية. كان يقسم أنه لن يربح معنا سوى ثمن قهوة  بينما كان المقصود أنه يريد رِبْحَ ثمن مقهى في حجم قفص هي الأخرى.

اتفقت أنا وشريكتي على الالتزام ببناء الفاصل  لكن زوجي الرافض أصلا لفكرة القفص اعترض على قفص مشترك وطلب مني أن احتفظ بالملكية الخاصة للقفص  ولم يكن يرغب في أن يمتلك القفص معي لأنه مصاب بحساسية الأقفاص. فقد قضى في السجن عامين وخبر الأقفاص اللعينة التي ترفض الشمس أن تطأها. لذلك، تنازل لي عن نصيبه في القفص  وقد كنت متحمسة لإسناد ملكيته لطفلي غير أنني خشيت أن يستقل عني ويسكنه بمعية ابنة الجيران التي كانت مقيمة في القفص المقابل لشقتي.  لذلك قررت أخيرا أن أعتذر لشريكتي استجابة لرغبة زوجي  في أن يكون القفص في ملكيتي دون شراكة أحد.

 أثارت انتباهي أصوات طيور حزينة داخل محل البائع فسألته عن ثمن الواحد منها غير أنه استغرب لرغبتي في شراء طائر لم أره بعد . استدركت قائلة:

- إن الأذن تعشق قبل العين أحيانا .

  بادر البائع/السجان  فأطلعني على الحالة المدنية لبعض نزلائه. منهم من كان سجين رأي أو انعدام رأي،  ومنهم من كان ضحية تُهَمٍ لم يقترفها ونصحني أن أبتعد عن  اعتقال سجناء السياسة .أما سجناء القضايا الأخرى فقد أوصاني أن أتعامل معهم بحذر، وحتى الأبرياء حذرني من التعامل معهم، لأنهم قد تحولوا بفعل التهمة إلى مجرمين حقيقيين. لكنني استغربت لهذا البائع الذي صرفني بالمرة عن شراء أي صنف من الطيور السجينة  التي كان عددها مهولا لديه وكنت قد استحضرت ما تكلفه من طعام وماء.

رجحت أن يكون قلبه الحنون قد تحول مسكنا لها  فصرفه عن منطق الربح والخسارة. فاتحته في الموضوع غير أنه سخر مني  وأوضح لي أن طيوره  تُضرب عن الطعام في أغلب الأحيان ولا يتدخل لإطعامها إلا حين يشعر بخطر مداهمة الموت التي ستورطه في انتحارها الجماعي، كما أخبرني أن خبرته عالية في هذا المجال. فقد كان جلادا في أحد السجون السرية، وهو يدرك متى تدخل الموت السجن.

عدت لأضعه في الإطار من جديد موضحة أن ما أطلبه هو مجرد طائر للقفص الذي باعني إياه وهذا ما دفعه لتغيير رأيه.  فقد دلني على عصفورين. أحدهما كان ببغاء تورط في ترديد شعارات لم يكن يعرف مغزاها وكان يردد كل سبة سمعها في أذن مالكه فقطع لسانه  غير أن الطائر استطاع أن يحصل على صفارة إنذار كلما أطلقها شعر السجان بخطر تضامن الكوكبة. أما الثاني فقد  نُتِفَ ريشه وقُصََت جناحاه ومع ذلك  شرعت طبقة رقيقة من الريش في استرجاع حيويتها  وكم تعاطفت مع هدا الطائر حتى أنني كدت أنزع ملابسي وألفه فيها  لولا أنها كانت أصغر منه ومع ذلك  فقد سلمته قطعة كبيرة من الثوب كنت وضعتها فراشا في القفص  فنظر إلي بسخرية أشعرتني بالضعف والعراء.                                  

كان طفلي قد أعجب أيضا بطائر ذي قميص لفريق في كرة القدم. احتملت أن يكون الطائر لاعب كرة لفقت له تهمة تعاطي المنشطات لانتمائه لبلد كسول. وقد خشيت أيضا أن يُلهيَ ابني المولع بالكرة عن دراسته. لكن البائع نصحني ببيع القميص كي أصدّ طفلي عن اللاعب. كما أكد لي  أن الطائر لن يخشى بيع قميصه لأنه يوجد أصلا داخل سجن  وأن مجرد الانتقال من سجن إلى سجن في حد ذاته يعتبر تغييرا للقميص. كما أوصاني ألا أجبره على تناول الغداء خاصة خلال إضرابه عن الطعام   كي يتعود على الانضباط لزمن الوجبة  وألا أعطيه إلا فرصة واحدة للكلام  خلال  تَفقّد الإعلام لأحوال السجناء. كما أوصاني بإغلاق نافذة غرفتي دوما حتى لا توسوس له الشمس، ولا تتسرب إليه أصوات الجنس الآخر فيفكر في المغادرة. لكن سؤالا تبادر إلى ذهني حول مراهقة الطائر التي قد تجعله يتمرد على القفص. لكن البائع طمأنني أن السجناء لا يعرفون مراهقة، وأنه يقوم بعملية إخصاء الطيور وختان إناثها  لأنه كان جلادا في السجن  ذا خبرة في أساليب تعذيب السجناء  استثمرها في علاقته بالطيور  التي لم تعترف له بالأماكن التي كانت تزورها قبل دخول القفص. كما التزم بإمكانية تبديل الطائر كلما سبب لي إزعاجا  إن لم أجرؤ على حرمانه من حقوقه الطبيعية. وقد شغلتني هذه المغريات عن الخوض في مناقشة ثمن الطائر  الذي كان غاليا رغم أنه كان سجين قفص جماعي.

مدّ البائع عصا حديدية طويلة ملتوية العنق داخل القفص، محاولا أن يقتنص الطائر غير أنه وجد صعوبة في ذلك ،حيث كان الطائر خبيرا بأساليب المراوغة التي هزمت البائع، فتوقف ليأخذ نفَسَه ويعيد الكَرّة دون جدوى مما اضطره إلى إخضاع الطيور لعملية تمشيط دقيقة، وفيما كان أحد معتقلي  الرأي من الطيور سابقا يحيّي البائع هجمت الطيور الأسيرة على الباب وحلقت بعيدا.

 

 

 

                                               

 

 

الرجوع إلى مواد الانطولوجيا

 

 

خريطة الموقع

 

بَيَانَاتُ أدبية

"المدرسة الحائية"

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

مَقَالاتُ متخصصةُ

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

شَهَادَات فِي الإبْدَاعِ وَالتّلَقي

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

موسيقى الخلاص

ناس الغيوان

رهانات الأغنية العربية

سيرة ذاتية روائية

مجاميع قصصية على الخط

مجاميع قصصية مشتركة

يوميات

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

مترجمات

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

روابط ثقافية

الألبوم المفتوحُ

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

 

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

ENOTE

<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology3-serari.htm</title>

<meta name="description" content="مليكة صراري">

<meta name="keywords" content="قاصة وشاعرة مغربية