ريحانيات

أنطولوجيا الحرية

-مختارات من القصة المغربية الجديدة-

"ليتسع قرص الشمس!"

"أشهد أن الموت قادم.

رأى جلود الدببة تتساقط عن العالم. رأى «إيفا» بالونا بلاستيكيا يتفرقع.

ورآهم ينزعون عن وجوههم الأقنعة التي أخافته. بدؤوا يستعيدون وجوههم الآدمية التي كانت لهم، والتي آلفها مند طفولته.

خاطبهم صوت من كل جهات الأرض:

أيها الأبديون، اكسروا أصفادكم!

اخرجوا من معتقلاتكم!

اكسروها في الداخل!"

عن نص "المعتقل"

عن المجموعة القصصية "حنين" 2007

- زهرة زيراوي-
قاصة وشاعرة مغربية

صدر لها:

" الذي كان " 1994

-مجموعة قصصية –

" نصف يوم يكفي" 1996

- مجموعة قصصية -

" حنين" 2007

- مجموعة قصصية -

إلى محمد الدرة، إنه حـي وحر

إلى صديقي زياد جيوسي في رام الله

أحضر فرشاتك لنرسم أبطالا يطيرون بألف جناح

ــ 1 ـــ

هب من قبضة حلم عند الفجر ، وجلس يستعيد ما رآه : كانت النخلة صغيرة لم تتم عامها الثاني عشر، باغتها بوم و نقرها عند الصدر ، فتدفق من سعفها شيء لزج كالدم ، أو كالدبس ـ1ـثم بدت النخلة سامقة امتد سعفها إلى كل جهات الأرض، بينما بدا الأطفال كالنمل و هم يتسلقون جذعها السامق .

ألح على أجزاء الحلم الذي بدأ يتجمع في زوايا ذاكرته و لم يكتمل بعد ، استعادت فجأة ذاكرته ذالك الصوت الآتي من خلف النخلة :

ــ ليست نخلة إنه ساحر ، احذروا .

ثم الصوت الذي رج الفضاء معقبا :

ــ بل نبي إنه نبي .

كان الصوت شبيها بصوت ولده ، و النخلة في مثل وداعته و براءته .اعترته قشعريرة فانحنى على ولده يقبله و يوقظه ، ثم خرجا معا .

ــ 2 ــ

وزعتهم المدينة على صباحها الخريفي ، و هما يعبران المنعطف ، كانا يحسان معا أن الدناصرة تزحف على صدر المدينة ، واراهما جدار نصفي ،كانت عينا الأب تتجهان شرقا ، و يداه في الخلف تواريان جسدا صغيرا يلوذ بظهر الوالد ،و كان الأب يسمع دقات قلب ولده ، إيقاع يتسارع داخل الصدر

حدق الأب في الأطفال الذين كانوا يعبرون الطريق القريب من الجدار ، يحملون فخاخهم ، ليواجهوا بها زحف الطائرات و قذائف الرشاشات ، أحس الأب فجأة في كفه شيئا ما لزجا . بدت له وجوه الأطفال كلها متشابهة ، أجساد صغيرة لوجه ولده ،و شيء من جسد النخلة الذي تراءى له في الحلم .

ــ 3 ــ

و صلوا إلى المقبرة ، في كفه شيء من لحم ابنه ، وفي جثة ابنه شئ من لحم كفه .

أمعن النظر في السنين التي تمر ، في الأطفال الذين يعبرون وهم يحملون مدينة على أكتافهم الصغيرة والعارية .طائر لقلاق لم يقو ريشه بعد مد بصره بعيدا فلاح له جسد كأنه مدينته يمسك طفلا بعد آخر ليقذفه إلى أعلى .في السماء البعيدة كان الأطفال يتحولون إلى نهر من دم ، يترقرق في جوف الشمس ، فتحوله أعضاؤها إلى شعاع أرجواني ، به كانت المدينة ترمم تصدعاتها .

ـــ 4 ـــ

انتبه ، كانت مراسيم الدفن قد انتهت ، و كان الأطفال يعبرون الطريق الطويل دون خوف ، يحملون فخاخهم، هي كل عدتهم ، و كانت الطائرات و المدافع تزحف على المدينة .

على الرصيف الكئيب ، حيث تجندل ابنه ،وئيد الخطى كان الأب يمشي و يتساءل :

ــ كيف لي يا ولدي أن أقبل غدا أنت غائب عنه ؟؟

سمع صوتا يخاطبه :

ــ اصغ إلى قلبك جيدا

ـــ و ما الفائدة ؟؟

ـــ لأنه حيث يكون قلبك يكون اليقين

ـــ و ما اليقين ؟؟

ـــ إنه حي ، تراه و يراك ، إنه لم يمت . الأبطال لا يموتون الأبطال لا يموتون ، رددها تباعا بينه وبين نفسه يدرك أن عليه أن يتلقح ، سيحكي الأبد عن ابنه . عن البوم والنخلة .

رفع عينيه إلى الأفق البعيد ، رآه مبللا باللون الأحمر ، فابتسم له ذالك الشعاع الأحمر ، ابتسم الأب هو الآخر، كان قلبه مفعما بالطمأنينة ، طفله هناك . رآه نخلة مرة و رآه قرص شمس يتسع مرة أخرى .

صوب نحو السماء و ردد عاليا :

ــــ على رسلك يا محمد إخوتك يصعدون . هاهم يصعدون.

ــــ 5 ـــ

رأى المدينة تحت الشمس درة تتلألأ ، رأى الأطفال يستظهرون تباعا كل أزمنة الأبدية ، رأى أيديهم الصغيرة تزداد تمسكا بالحجارة ، كانوا يغنون :

أيها المستباح دما

أيها المستباح أرضا

احمل حجارتك واتبعني.

ابركسل /بلجيكا سنة 2002

--------------------------

ـ1ـ الدبس: عسل التمر

الرجوع إلى مواد الانطولوجيا

خريطة الموقع

بَيَانَاتُ أدبية	"المدرسة الحائية"	"الحاءات الثلاث" مضامين الغد
مَقَالاتُ متخصصةُ	حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني	حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ
شَهَادَات فِي الإبْدَاعِ وَالتّلَقي	درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء	دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ
موسيقى الخلاص	ناس الغيوان	رهانات الأغنية العربية
سيرة ذاتية روائية	مجاميع قصصية على الخط	مجاميع قصصية مشتركة
يوميات	المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ	مترجمات
السيرَةُ الذَّاتِيَةُ	روابط ثقافية	الألبوم المفتوحُ
ENGLISH	FRANCAIS	الصفحة الرئيسية

e-mail : saidraihani@hotmail.com

ENOTE

<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-anthology3-index.htm</title>