رَيْحَانِيَاتٌ

 

 

أنقر على الصورة لتكبير غلاف الكتاب

 

"أربعون 40 حوارا مع مُحَمّد سَعِيد الرَّيْحَانِي"

 

سلسلةُ حوارات شاملة أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

 

 

 

 

الكتابة بالتيمة القصصية:

كتابة الاحتجاج القصصي

 

 

 

 

             

سؤال: هل تعتمد منهجا معينا في الكتابة السردية يعطي لنصوصك فُرادة وتميُّزا؟

      

جواب: أهم ما تعلمته خلال تجربتي في قطاع التدريس العمومي ثلاثة أمور هامة: أولها، التفكير بالأهداف؛ وثانيها، تحقيق الأهداف؛ وثالثها، التمييز بين الشعارات والأهداف. وقد تأكد لي مع مرور الوقت بأن هذه الأمور الثلاثة هي قواعد للتفكير في مجالات الحياة كلها بما في ذلك قواعد التفكير والكتابة الأدبيتين، أو ما يسمى عادة ب"المنهج".

 

            ف"المنهج" هو الوعي بالكتابة. والكتابة المنضبطة للمنهج هي أرقى أشكال الكتابة الواعية بذاتها. وعليه، فالخطر المتربص بالكتابة الإبداعية الأدبية هو غياب المنهج الناتج عموما عن الجهل بالمناهج. وعليه، فمنهجي في الكتابة هو "الكتابة بالتيمة القصصية" حين يتعلق الأمر بالمجموعة القصصية،  و"المصالحة بين الشكل والمضمون" حين يتعلق الأمر بالنصوص منفردة، واعتماد "الحاءات الثلاث"، "الحرية" و"الحلم" و"الحب"، كمضامين لنصوصي القصصية القصيرة خصوصا وأعمالي السردية عموما...

 

سؤال: أيهما أسبق: النص الأدبي أم الرؤية الفنية؟

 

جواب: تكوين الرؤية منطقيا يحضر قبل تكوين نص ليس فقط في الأعمال الإرادية القصدية ولكن حتى في الأنشطة التي تظهر للعموم كتواصل تلقائي هي في جوهرها تتحكم فيها "رؤية مضمرة" أو تسيرها رؤية صارت بفعل العادة والتكرارية آلية عفوية...

 

          لذلك، ليس من المقبول  الشروع في كتابة النصوص قبل تكوين رؤية واضحة المعالم للنص ولعوالمه. إذ يمكن البدء بتكوين رؤية عن الذات من خلال الأحلام أو بتكوين رؤية عن المجتمع من خلال التاريخ الفردي في التلاقح والتناطح مع المجتمع أو بتكوين رؤية عن الوجود من خلال خلاصة القراءات والتأملات المراكمة على مفكرة الأديب العازم على خوض تجربة الكتابة الأدبية...

 

         النص ليس سابقا على الرؤية حتى يكون مولدا لها. النص لاحق على الرؤية. ولذلك، فهو ينقلها ويعكسها على مرآته. وعليه، فإذا غابت الرؤية لحظة الكتابة، عكس النص المكتوب غيابها. وإذا حضرت الرؤية لحظة الكتابة، عكس النص حضورها...

 

سؤال: هل نَضُجَ منهجك في الكتابة الأدبية السردية؟ هل صار له اسم مُعَرَّفٌ؟

 

جواب: "الواقعية" منهج تجاوز عمره المائة سنة من الوجود وهو "شكل فني ثابت" ب"مضامين متغيرة" مهما تعددت مسمياتها: واقعية نقدية وواقعية اشتراكية وواقعية سحرية وواقعية رمزية...

 

            أما التجريبية، فتقف على الطرف النقيض من الواقعية.  إنها "شكل فني متغير" ب"مضامين متغيرة" أو "بدون مضامين" بالمرة.

         أما "الحائية"، أو "التجريبية الجديدة"، فمنهج مستقل عن الاثنين غايته "تحرير الشكل والمضمون معا"  و"المصالحة" بينهما بحيث يعبر الأول عن الثاني فنيا فيما يعبر الثاني عن الأول تيميا...

 

           وعليه، فأنا أعتبر "الحائية" أفقا قصصيا جديدا للكتابة السردية وهذا يكسبني حماسة في الكتابة كما يمدني بقوة إضافية في الذود عن المطلب وحمايته من هدم الهدامين...

 

سؤال: تدافع عن طرح متميز يبدو أن الكثيرين لا يساندونك فيه وهو طرح "جعل المغرب عاصمة للقصة القصيرة في العالم العربي وما هو أكبر من العالم العربي". هل ترى هذا الطرح واقعي؟

 

جواب: مفهوم العاصمة لا يلغي وجود العطاء والإنتاج في قطاعات أخرى. فمفهوم العاصمة الاقتصادية، مثلا، لا يعني أن كل الاقتصاد مركز فيها وأن غيرها من المدن لا تعرف زواجا اقتصاديا وأنها تعيش على الإعانات الخارجية والمساعدات الدولية...

 

إن مفهوم "العاصمة" يعني قطبا جاذبا في مجال من المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو غيرها حيث يكون العطاء في قطاع أكثر من باقي القطاعات الأخرى ومن ثمة تسميتها بالعاصمة الإدارية أو العاصمة العلمية أو العاصمة الاقتصادية...

                       

سؤال: كيف يمكن للمغرب أن يكون عاصمة للقصة القصيرة إقليميا أو دوليا؟

 

جواب: لفهم عميق للأمر، لا بد من تعقب الإنتاجات الأدبية المغربية أولا  ومقارنتها ببعضها البعض؛ ثم مقارنتها بإنتاجات المغرب العربي الكبير ثانيا؛ وفي الأخير،  مقارنتها بالإنتاجات العربية عموما...

 

فالزجل كان دائما "ديوان المغاربة" والشعراء الذين يذكرهم المغاربة "كلهم" زجالون ولا يوجد ضمنهم شعراء باللغة الفصحى: لا عبد الرحمان المجذوب ولا قدور العلمي ولا عثمان بن يحيى الشرقي  (الشهير ب"سيدي بهلول" صاحب قصيدة "الفياشية" الذائعة الصيت في العالمين العربي والإسلامي)...

 

من جهة الرواية، فبداياتها المتغيرة لا زالت تلقي ظلالها على الحاضر.

 

أما القصة القصيرة، فمسارها في المغرب مختلف عن مسار الشعر الفصيح إذ تحالفت مع الحركة الوطنية منذ فترة الاستعمار وعرفت نموا ملحوظا وأنتجت كتاب قصة من العيار الثقيل (عبد المجيد بن جلون، محمد زفزاف، محمد شكري...) كما جعلت المغرب يتبوأ المركز الأول من حيث كم الإصدارات القصصية في المغرب العربي بأزيد من ستمائة عنوان قصصي، أي ما يعادل مجموع الإصدارات القصصية في مجموع دول المغرب العربي الكبير الخمسة...

 

سؤال: تدافع بالإبداع والنقد والتنظير عن نمط جديد في الكتابة القصصية: "الكتابة بالمجموعة القصصية". ما الخلفية الفكرية التي تحرك دفاعا مستميتا كهذا؟

 

جواب: مجموعة قصصية لا يربط بين نصوصها لا أسلوب ولا تيمة لا يمكنها أن تكون "مجموعة قصصية" وإنما "أنطولوجيا قصصية" ما دام الخيط الرفيع الجامع بين النصوص غائبا أو مُغيبا. إنها أشبه ب"حكوماتنا التكنوقراطية" التي لا "ينتخبها" الشعب ولا يضخُّ فيها دماءه، حكومات مُعَيّنة "من فوق" وغير منتخبة "من تحت"...

 

هل صورة مثل هذه تستحق أن ننسج على منوالها صور مجاميعنا القصصية  وغير القصصية؟!...

 

 إن نقل المجموعة القصصية من هيمنة أسلوب الكاتب الذي يعادل على الأرض "خطاب الحاكم" إلى هيمنة التيمة المركزية أو "المطلب" المركزي الذي يعادل على الأرض "خطاب المحكوم" أو"مطلب المحكوم"...

 

إنه انتقال من نمطية الكتابة وسلطة الأسلوب الثابت في الخطاب إلى ثورة الأساليب المتعددة للنصوص المتعددة،  من النص الذي يحاكي الواقع إلى الشكل الذي يحاكي مضمونه، من الكتابة النائمة المنومة إلى الكتابة اليقظة المتيقظة، من التقليد والتكرارية والاجترارية إلى الفُرَادَة والتّفَرّد...

 

هذه هي الأرضية الفكرية المؤطرة ل"الكتابة القصصية الغدوية" التي نعمل لجعلها واقعا إبداعيا جديدا للأقلام الجديدة. إبداعات مضامينها ثلاث، "الحلم" و"الحرية" و"الحب"، وأشكالها شتى...

 

سؤال: لتجسيد المفهوم، مفهوم "الكتابة بالمجموعة القصصية"، ما هي الصورة التي يمكنها نقل التعريف الأنسب لمبدع ولقارئ القصة الغدوية على السواء؟

 

جواب: "الكتابة بالمجموعة القصصية"، أو "الكتابة بالتيمة القصصية" يمكن تشبيهها ب"تظاهرة شعبية" (=المجموعة القصصية) يقوم بها "مناضلون" (=النصوص القصصية) يرفعون "شعارا واحدا" أو "مطلبا واحدا" (= التيمة القصصية) ويتحركون طبقا ل"الشكل النضالي الذي يليق بإنجاح التظاهرة" (= المصالحة بين الشكل والمضمون). بهذا المعنى، تصبح الكتابة والنضال وجهين لعملة واحدة.

 

سؤال: عربيا، ما هي أشكال الكتابة الرائجة في مجال السرد العربي عموما والقصير منه خصوصا؟

 

جواب: ثمة أربعة أنواع من الكتابة.

 

النوع الأول يتعلق بالكتابة بالشكل الواحد أو ما يمكن تسميته بالكتابة النمطية: أسلوب واحد، شكل واحد، لغة واحدة.....

 

النوع الثاني يتعلق بالكتابة بالمضمون الواحد أو ما يمكن تسميته بالكتابة المذهبية: الصراع الطبقي لدى الاشتراكيين والمقاومة لدى الرازحين تحت نير الاستعمار...

 

النوع الثالث يتعلق بالكتابة اللاواعية لا بالشكل ولا بالمضمون: مرة تؤيد "الاستقرار" ومرة تدعم "التيه"، مرة مع "الحرية" وقيم "الحداثة" ومرة ضد "الفتنة" و"الفرقة" و"السيبة"...

 

أما النوع الرابع والأخير فيتعلق ب "الكتابة بالمجموعة القصصية" وعلى هذا النوع من الكتابة القصصية نراهن في سعينا لتطوير السرد العربي القصير...

 

سؤال: الشكل والمضمون في الأدب العربي، ما العلاقة المنظمة بينهما؟ هل هي علاقة احتكاك وصدام  أم علاقة توافق وانسجام؟ أم علاقة انفصام؟...

 

جواب: عندما كتبت، على خلفية مصالحة الشكل بالمضمون "مقالا" حول "أزمة الأغنية العربية من أزمة الشعر العربي" ونشرته المجلات الورقية الفنية والجرائد اليومية العربية،  قامت القيامة. حتى ذلك الوقت، لم أكن أعلم أنني الوحيد المكتوي بهذا الهم...

 

فقد كبرت على قراءة الأدب الغربي الذي قام على ذات القاعدة المحركة للمقال. وحين طبقتُ القاعدة على الفن والأدب العربيين، وقفت على حجم الهوة بين الشكل والمضمون من جهة وعلى حجم الهوة بين متلقي الأدب العربي ومتلقي الأدب العالمي من جهة أخرى.

 

لقد كانت  مقاومة القراء والنقاد عنيفة لأن نقد التراث الإبداعي العربي هو في عينهم "نقد هدام" في زمن "التكالب" على الأمة العربية و"التآمر عليها"...

 

الشعر العربي لم يكن متصالحا مع ذاته إلا في مرحلتين: مرحلة ما قبل الإسلام، المعلقات نموذجا؛ ومرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، الشعر الحر نموذجا.

 

ففي المرحلة الأولى، مرحلة ما قبل الإسلام، تصالح الشعر الجاهلي مع القيم القبلية لعصره فكانت مضامينه هي مضامين "الشهامة والكرامة والبطولة" فيما كان الوزن الشعري السائد هو "البحر الطويل" أما الحجم الأنسب فكان "القصيدة الطويلة"...         

 

كذلك في المرحلة الثانية، مرحلة الشعر الحر، حيث تصالح الشعر الحر مع القيم الكونية لعصره فانصب اهتمامه على:  تحرير الشعر من النمطية، تحرير الشعر من الأغراض، تحرير الشعر من الأوزان... مما جعل الشعر الحر يبدو في نهاية المطاف كتجلٍّ من تجليات الفكر"الصوفي"، متحررا من كل شيء...

 

             

 

العودة إلى صفحة الحوارات الأدبية

 

خريطة الموقع

 

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

 روايات

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

رهانات الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

مجاميع قصصية على الخط

الألبوم المفتوحُ

تقديم أعمال الأصدقاء

مجاميع قصصية مشتركة

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

saidraihani@hotmail.com

<title>http://www.raihantat.com/arabicversion-interviews2-index.htm</title>

<meta name="description" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، سلسلةُ حوارات شاملة من أربعين َ لقاءً صحفياً مع محمد سعيد الريحاني أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

<meta name="keywords" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، حوارات صحفية، لقاءات صحفية، أدب، فكر، فن، سياسة، محمد سعيد الريحاني، أنس الفيلالي">