رَيْحَانِيَاتٌ

 

 

أنقر على الصورة لتكبير غلاف الكتاب

 

"أربعون 40 حوارا مع مُحَمّد سَعِيد الرَّيْحَانِي"

 

سلسلةُ حوارات شاملة أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

 

 

 

 

في ما بين المثقف والمتمدرس

 

 

 

 

سؤال: ما بين القراءة بصيغة المفرد والقراءات بصيغة المتعدد، أين يكمن السر والمفتاح؟

 

جواب: القراءة أنواع. النوع الأول، القراءة للتسلية، هو نوع "أدواتي" في وسيلته وغايته يتبعه غالبا إما السبات أو نسيان المادة المقروءة مع عدم إمكانية العودة لقراءتها ثانية.

 

النوع الثاني هو "المطالعة" أو القراءة لأداء الواجب. وهي مقترنة بالحفظ لأنها متبوعة بالاستظهار. وهذا النوع من القراءات هو الأكثر هيمنة على الوسط المتمدرس وكل الأوساط التي يغلب عليها "التطلع" كما في أوساط "المناضلين" النقابويين والسياسويين،  أو"الترقي" في المباريات المهنية كما في أوساط الموظفين والمستخدمين...

 

النوع الثالث هو القراءة لسد حاجة عاطفية أو عقلية أو مهارية. وهذا النوع من القراءات هو صانع النمو بكل أشكاله، وباني نمو الشخصية بكل امتداداتها. وإذا كان لا بد للقراءة أن تكون منتجة، فربما كان هذا النوع هو الأنسب.

 

وبالتمييز بين هذه الأشكال الثلاثة للقراءة، يمكننا رفع اللبس عن العديد من المجالات الحيوية في حياتنا الثقافية حيث  نعمد إلى رسم التشويش لعدساتنا وعيوننا عن طريق الهروب من مفتاح المشكل الوجودي العربي: القراءة.

 

القراءة هي فعل استكشافي حر متبوع دائما بالنمو والاكتشاف والمتعة. القراءة الحرة هي "وقود المثقف وغذاؤه". أما المطالعة ففعل غير حر أقرب منه إلى الواجب والفعل الموجه وهو متبوع غالبا بالمساءلة والتنقيط والترسيب أو التنجيح. المطالعة، إذن، هي "قراءة المتمدرس".

 

سؤال: التضارب بين القراءات هل يمكنه توليد فاعلين مختلفين من قبيل المثقف والمتمدرس؟

 

جواب: إذا كانت القراءة لأداء الواجب تنتج "المتمدرسين" وخريجي المدارس وحاملي الشهادات، فإن القراءة لسد حاجة عاطفية أو عقلية أو مهارية تنتج "المثقفين". لكن الفرق بين الفئتين لا زال موضوع تشويش كبير نظرا لإصرار بعض الدول على "مدرسة" الجميع وتغليب كفة "المتمدرس" على "المثقف" وترجيح كفة "الموظف" المأجور شهريا على "المثقف" المتطوع دوما والحر الطليق أبدا.

 

تحت المجهر، تتجلى خصوصيات ووظائف "المثقف" و"المتدرس". فالمثقف هو ضمير الأمة وهو لذلك يتمتع بحس عال بالكرامة والحرية والاجتهاد وهدفه هو التنوير وتحرير المجتمع ودخول التاريخ ووسيلته المناقشة الحرة والحوار اللامشروط...

 

أما المتمدرس فينتمي إلى فئة دنيا من المتعلمين ووعيه بالمصلحة الفردية حاد جدا مما يجعله شديد الانضباط للمقرر الدراسي بغية النجاح في الامتحان وسبيله إلى ذلك "المراجعة" التي لا ترقى أبدا إلى مرتبة "المناقشة" الحرة...

 

سؤال: كيف تميز بين المناقشة والمراجعة؟

 

جواب: "المناقشة" و"المراجعة" هما البرزخ الفاصل بين مياه "القارئ" ومياه "التلميذ"، مياه "المثقف" ومياه "المتمدرس"، مياه "الفاعل" ومياه "المأجور"، مياه "الحر" ومياه "الخادم"...

 

ويمكننا تشريح هذين الصفتين المحوريتين على الشكل التالي. فالمناقشة هي شكل من أشكال تبادل الرأي الحر المتحرر من كل ملكية للحقيقة أو سلطة أو أستاذية وموضوعها الخوض في المختلف فيه أما غايتها فإذكاء روح حرية التعبير...

 

أما المراجعة فرهينة المقرر الدراسي والخطاب المدرسي وهدفها  الوحيد هو تذكر الدروس واستظهار القواعد ولذلك فهي سطحية اجترارية لأنها متبوعة بالدعم والامتحان والتنقيط...

 

وعلى ضوء هذا التوضيح، يمكن التمييز أيضا بين المثقف، خريج النقاش والمناقشة، وبين المتمدرس والمتعلم، خريج المراجعة ودروس التقوية.

فالمثقف يتميز بشمولية الرؤية وبمستوى ثقافي متجدد وهو ما يجعله "فاعلا إيجابيا". إنه صاحب مشروع أو منخرط في مشروع ثقافي أو غير ثقافي حيث يختبر معارفه ومعلوماته لأنه يعتمد على التجربة والممارسة والفعل لأن هدفه هو نمو المشروع الذي انخرط فيه والمساهمة في تنميته...

 

أما المتمدرس أو  المتعلم فيتميز برؤية تجزيئية للحياة وبمستوى ثقافي محدد وهو ما يجعله مجرد منفعل وليس بفاعل. فالمتمدرس لا مشروع له لأنه بكل بساطة لا ينخرط في مشاريع، فهو يراكم المعارف والقواعد والمعلومات ويعتمد على الذاكرة في إنعاشها وإبقائها حية لغاية يوم الامتحان. المتمدرس، بالإجمال، يحيا للامتحانات...

 

سؤال: كيف تقيم ثقافة المتمدرس وثقافة القارئ؟

 

جواب: المدرسة، العربية عموما والمغربية خصوصا، وبأسلاكها الخمسة الممتدة من التعليم الأولي إلى الابتدائي إلى الإعدادي إلى الثانوي فالجامعي ، لم تعد تُخَرِّجُ  غير "المتمدرسين".  ويبدو هذا جليا ليس فقط داخل المدارس بل أيضا من خلال الأنشطة الثقافية المفترض فيها أن تكون ثقافية أولا وحرة وثانيا...

 

فبينما يفترض في الجمعيات الثقافية التي ينشط فيها المثقفون والمواطنون تنظيم نشاط ثقافي يستضيف فعاليات حرة من  روائيين وشعراء ومسرحيين ومفكرين، صارت الجمعيات طوابير من المتمدرسين تستضيف أساتذتها الجامعيين لمتابعة محاضرات الكلية فيما يمكن وصفه بدروس التقوية في خلط واضح بين النشاط الثقافي والدرس الأكاديمي، بين الفعل الجمعوي وبين دروس التقوية...                                             

 

ولفهم ما قلته، يمكن المقارنة بين حضور الأستاذ وطمأنينته لسير الأمور في المدرج بالكلية حيث لا يمكن ل"الطالب" التحرك على مقعده إلا ب"إذن" من الأستاذ وبين ذات الأستاذ وهو في نشاط ثقافي حيث تنتفي عنهما صفة "الأستاذ" و"الطالب" فيتساويان ليصبحا مجرد "ملقي" و"متلقي". بل أحيانا تميل الكفة لفائدة "المتلقي" الذي قد يكون أرفع شأنا من "الملقي ذاته" ماديا ورمزيا...

              

سؤال: يقرن البعض بين رواج الكتب في الأسواق وبين نجاحها أدبيا.  كما يعمد بعض الناشرين إلى تقديم الكتاب للقراء على خلفية نيله لجائزة ما بغية رفع سومته في الأسواق. ما الفرق بين العمل الأدبي الناجح والعمل الأدبي الرائج؟

 

جواب: ينبغي الاعتراف بأن ثمة برزخا يفصل بين البحرين: فالعمل الرائج في الأسواق لا يحتاج إلى جوائز، وهو في الحقيقة لا ينالها،  مادام جزاؤه المداخيل المالية كسلسلة "هاري بوتر" للروائية البريطانية ج.ك. رولينغ  J.K Rowling's  "Harry Potter")). أما العمل الناجح أدبيا  فجزاؤه دخول التاريخ مهما صغرت دائرة قرائه كالرسالة- الشكوى التي أيقظها القاص المغربي محمد بوزفور والروائي المصري صنع الله إبراهيم عندما انتفضا في نفس الآن على واقع القراءة والكتابة في بلديهما ورفضا جائزتي دولتيهما المخصصة لكبار الكتاب.

 

فالعمل الأدبي الناجح يقدم إضافة جمالية أو معرفية ويتميز بالاستقلالية  والابتكار وهو موجه لفئات محددة وهدفه دخول التاريخ. أما العمل الأدبي الرائج فتحركه معرفة قبلية بمتطلبات سوق القراءة وقد يكون المقرر الدراسي أو المهني وهو موجه لفئات شعبية عريضة وهدفه الأول والأخير هو  تنمية الرصيد البنكي بفائض الأرباح والمداخيل...

 

سؤال: هل هذا زمن المتمدرس؟

 

جواب: إن أزمة القراءة في الوطن العربي لا تقترن فقط بغلاء الكتاب أو تفشي الأمية أو نخبوية اهتمامات الكتاب...  إن الأمر أعمق من ذلك بكثير. إن الأمر يتعلق بمواطني الغد الذين أنتجتهم وتنتجهم المدرسة العربية، الأمر يتعلق ب"المتمدرسين" مدى الحياة الذين لا يقبلون على قراءة ما ليس في "المقرر" الوزاري فما بالك بالخوض في المختلف فيه ورفع هامش الحريات والتسامح مع الآراء المغايرة...

 

ولقد انتبه للأمر البعض ممن أتيحت لهم فرصة "تحمل المسؤولية" فعمدوا لإدراج أعمالهم أو أعمال معارفهم أو زبنائهم ضمن مواد المقررات الدراسية لتفرض على "المتمدرسين" إقراءً وإفهاماً إذا ما رغبوا في النجاة والنجاح!

 

لكن، حتى لا تستشري  هذه الآفات التي تتجه لتصبح تقاليد نامية في بلداننا العربية، فقد  آن الأوان لتغيير طريقة التفكير في الوطن: من وطن المريدين إلى وطن الأحرار.

 

وحتى ذلك الحين، تبقى "القراءة" هي المحرار والحكم والسيف الفصل.

    

سؤال: هل من مستقبل ينتظر المتمدرس؟

 

جواب: مستقبل المتمدرس هو أن يصبح موظفا...

             

العودة إلى صفحة الحوارات الأدبية

 

خريطة الموقع

 

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

 روايات

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

رهانات الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

مجاميع قصصية على الخط

الألبوم المفتوحُ

تقديم أعمال الأصدقاء

مجاميع قصصية مشتركة

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

saidraihani@hotmail.com

<title>http://www.raihantat.com/arabicversion-interviews2-index.htm</title>

<meta name="description" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، سلسلةُ حوارات شاملة من أربعين َ لقاءً صحفياً مع محمد سعيد الريحاني أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

<meta name="keywords" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، حوارات صحفية، لقاءات صحفية، أدب، فكر، فن، سياسة، محمد سعيد الريحاني، أنس الفيلالي">