رَيْحَانِيَاتٌ

 

 

أنقر على الصورة لتكبير غلاف الكتاب

 

"أربعون 40 حوارا مع مُحَمّد سَعِيد الرَّيْحَانِي"

 

سلسلةُ حوارات شاملة أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

 

 

 

 

في ما بين المبدع والناقد

 

 

 

 

سؤال: بداية من هو الناقد؟

 

جواب: الشائع أن الناقد هو "كاتب فاشل".

 

أما أنا، فأرى بأن للناقد منطلقين اثنين: أولهما هو فشل الناقد في محاولته تجريب الكتابة الإبداعية وتراجعه إلى الخلف للرقي بالذوق الإبداعي وتنمية مستوى القراءة والتلقي عبر مواكبة المنجز الأدبي وتحليله وتقويم ما أمكن تقويمه...

 

 وثانيهما، إرادة الباحث الأكاديمي الانتقال إلى وظيفة أكثر تحررا، وظيفة إنطاق النصوص وتوليد دلالاتها اللامتناهية عبر قراءات متجددة، النقد الفني والأدبي...

 

الناقد، إذن، في محاولته الأولى للحاق بركب المبدعين، كاتب فاشل لكنه، في محاولته الثانية للسمو بالقراءة، ناجح... 

 

سؤال: وما هي مهمات الناقد؟

 

جواب: مهمات الناقد تتحدد في كونه يعيد إنتاج وقراءة وكتابة عمل أدبي ما، ويدقق في العمل الأدبي الواحد المفرد ويؤوله.  إنه يساهم في تطوير القراءة من خلال رفع سقف الحرية فيها...

 

سؤال: ما بين المبدع والناقد، تكمن خصوصيات. هل يمكن إجمالها في صور محددة؟

 

جواب: المبدع لا يعتمد على مراجع عكس الناقد الذي لا يمكنه أبدا الشروع في العمل قبل الاطلاع على المرجع.

 

كما أن المبدع لا يمكنه تعديل نصوصه أو حتى عناوينها بعد نشرها عكس الناقد الذي يحتفظ بمطلق صلاحيته في مراجعة نصوصه وتنقيحها حتى بعد طبعها.

 

والمبدع لا يُمكن اختصار نصوصه أو اختزالها في الوقت الذي يمكن فيه اختصار دراسات أو مقالات الناقد. وقد سبقني إلى هذه الملاحظة الكاتب الإنجليزي سومرست موم حين قال، ردا على طلب يستدرجه للحديث عن عمل أدبي قرأه: "إن خير نصيحة أوجهها لمن يطلب تلخيصا لعمل أدبي هو نصحه بقراءة العمل بنفسه"...

 

والمبدع يحتاج للخلوة كي ينتج. أما الناقد فيحتاج للعلاقات العامة كي يتوصل بالنصوص والمراجع ويشارك في الملتقيات لإسماع صوته...

 

المبدع، إذن، مرجع أدبي في حد ذاته بينما يبقى الناقد وسيطا أدبيا بين المبدع والقارئ...

 

سؤال: هل يمكن الحديث عن سلط أدبية بين الناقد والمبدع؟

 

جواب: تخضع العصور الأدبية لتجاذب السلطة بين النقاد والمبدعين. فبينما تتجذر سلطة المبدع في مراحل التأسيس، تؤجل سلطة الناقد إلى مراحل التثبيت شأنها في ذلك شأن سلطة المثقف في مرحلة تأسيس الدولة وسلطة السياسي في مرحل تثبيتها...

 

تاريخ الإبداع والنقد الأدبيين هو تاريخ التناوب على السلطة الأدبية. وتاريخ الأدب الإنساني برمته يشهد بذلك. فبينما هيمن الإبداع الأدبي قبل أرسطو، جاءت سلطة النقد بعد ذلك وهيمنت لمدة ألفي سنة. واليوم، نحن نعيش عصر عودة السلطة الأدبية من جديد إلى المبدع...  

 

سؤال: ما هو البرزخ الفاصل بين المبدع والناقد؟

      

جواب: الإبداع، بمعناه الواسع، هو كل إنتاج رمزي يتجاوز "المراجع" على الدوام. أما النقد، فهو اختبار وامتحان لكل تلك النصوص الإبداعية عن طريق الدراسة والتحليل، كما أن الإبداع الأدبي موضوعه هو "الحياة". أما النقد الأدبي فموضوعه هو "الإبداع الأدبي" عينه. وعليه، يصبح المبدع وإبداعاته سابقة على الناقد ومجهوداته النقدية. وهذا ما دفع رولان بارث، كبير نقاد الأدب في القرن العشرين، للاعتراف بأن "أفق الناقد هو أن يصبح كاتبا". إذن، المبدع، مثل الزهرة، لا يحتاج إلا إلى الأكسجين ليحيا. أما الناقد، فلا يمكنه أن يوجد إلا مقرونا ومشروطا بوجود سابق للمبدع.

المبدع قد يوجد دون الحاجة إلى قارئ أو ناقد. فالكثير من الأعمال الأدبية "العظيمة" لم يقرأها أحد لا من القراء ولا من النقاد في حياة مؤلفيها، وبالتالي لم يواكبها نقد أدبي. ومن هذه التحف الأدبية رائعة عمر الخيام النيسابوري "رباعيات الخيام" التي كتبت في القرن الحادي عشر على الأرجح وأفلتت من الضياع بعد موت صاحبها الذي أرادها مذكرة حميمية ترافقه حيثما حل وارتحل كما نجت من الحرق على يد المغول ولم تظهر إلى الوجود ولم يتعرف عليها القراء إلا بعد أزيد من سبعة قرون على وفاة صاحبها، أي في القرن التاسع عشر. واليوم أشعار "رباعيات الخيام" مترجمة إلى لغات العالم، ويستشهد بها كبار الصوفية والمبدعين والعشاق في أنحاء الأرض كما يمكن لزائر مدينة شنغهاي الصينية أن يتأكد بنفسه بعد  قراءته لأبيات من شعر الخيام منقوشة بلغة أبناء هان، اللغة الصينية، على رخام "شارع الحب الجميل" وسط المدينة...

 

سؤال: هل يمكن تحديد مجالات تحرك كل من الأدب والنقد؟

 

جواب: مجال الإبداع هو مجال اللاعقل L’inexplicable. أما مجال النقد فهو مجال العقل والاجتهاد في الفهم والتأويل   L’explicable.

 

سؤال: قد يرتدي المبدع أحيانا جُبّة الناقد كما قد يرتدي الناقد أحيانا جُبّة الكاتب.  كيف يمكن التمييز بين المبدع والناقد وهما يتبادلان الأدوار والأسماء وَالجُبَب؟

      

جواب: المبدع قد يقتحم النقد، لكنه غالبا ما ينتج في هذه الحالة "قراءات عاشقة" لنصوص وأعمال كتاب أو مرحلة أدبية بعينها، لكنها ليست "قراءات نقدية" لأنه يكتبها تحت ضوء الإعجاب باختيارات ذك الكاتب أو تحت وازع الانتماء إلى ذلك النص أو تلك المرحلة. ولقد سلك هذا الطريق مبدعون كثر كعروة بن الورد مع نصوص عنترة بن شداد العبسي في آخر أيامهما وشارل بودلير مع غوستاف فلوبير والكثير من النماذج الأخرى...

 

أما الناقد، فمجاله الطبيعي هو إعداد "قراءات نقدية" للمنجز الإبداعي الأدبي متسلحا بمنهجية علمية تحافظ على المساحة بين الناقد والنص الأدبي وليس "الانتماء للنص" كما يفعل المبدع الأدبي حين يختار لباس جبة النقد...

 

 

سؤال: دافعت في البيانات الأدبية التي أصدرتها سنة 2008 بمناسبة إعلان تأسيس "المدرسة الحائية" والكتابة التجريبية الجديدة عن فصل الحلقات بين المبدعين والنقاد والأكاديميين. كما بررت إعلان قيام "المدرسة الحائية"، مدرسة الكتابة السردية الغدوية، بكونها تسير في السياق الطبيعي السليم الذي سارت عليه كل المدارس الأدبية قبلها. كيف ذلك؟

      

جواب: في البيان الثاني والذي نُشِرَ رُفْقَةَ البيانات الخمسة الأخرى على صفحات الجرائد المغربية أولا قبل الصدور  بين دفتي "أنطولوجيا الحلم" الجزء الثالث من "الحاءات الثلاث: أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة" سنة 2008، نقرأ الجواب عن سؤالك مفصلا في الفقرة التالية:

 

«يتجمع الأكاديميون في الأكاديميات أو المعاهد مثل "كوليج دوفرانس" أما النقاد، فيتجمعون في مدارس نقدية مثل "الشكلانية" و"البنيوية" و"ما بعد البنيوية" و"التفكيكية". بينما يتجمع المبدعون من الأدباء في مدارس أدبية إبداعية مثل "الواقعية" و"الرومانسية" و"الطبيعية" و"الرمزية" و"السيريالية" و"الوجودية" و"الملحمية" و"العبثية"...

وبمقابلة "المدرسة الأدبية الإبداعية" مع "المدرسة النقدية"، يمكن استخلاص مجموعة من الفروقات الهامة: ف"المدرسة الأدبية الإبداعية" تستشرف المستقبل وتعمل باستمرار على "رفع سقف  التعبير الإبداعي"، أما "المدرسة النقدية" فتنكب على دراسة المعطيات المتوفرة في الزمن الحاضر وتعمل جاهدة على "ضبط الإنتاج الإبداعي" وإخضاعه لأدوات نقدية جاهزة وثابتة؛ كما أن "المدرسة الإبداعية" تبدأ حركة إبداعية "في الهواء الطلق" لتترسخ كمؤسسة رمزية قائمة على أرض الواقع وممتدة في الزمن. إنها ترى النور بين أيدي القراء ثم ترسم طريقها نحو المؤسسات العلمية عكس "المدرسة النقدية" التي تخرج من رحم المؤسسات والجامعات وتخاطب الطلبة قبل أن تتواصل مع القراء...

وتبعا لذلك، يمكن التمييز بين مشاريع إبداعية ومشاريع نقدية ومشاريع أكاديمية. كما يمكن، تأسيسا على هذا التقسيم المؤسسي لمدارس  تكتل المبدعين والنقاد والأكاديميين، رصد "ملاحظات هامة" تخص المبدعين دون سواهم من الفاعلين الآخرين وتهم الإنتاج الإبداعي الأدبي دون غيره من الإنتاجات النقدية أو الأكاديمية. وأهم هذه الملاحظات:

1)- ضعف التواصل بين المبدعين المغاربة وضعف الاعتراف المتبادل بينهم.

2)- اعتماد المبدعين على النقاد والأكاديميين لإنارة الطريق لهم بما جادت به البحوث والرسائل والأطاريح الجامعية.

3)- غياب الوعي المؤسسي لدى المبدعين كالوعي بأهمية تأسيس مدارس إبداعية مرجعية...

 ولكل هده الأسباب، جاءت "المدرسة الحائية" مدرسةَ مغربيةَ للقصة القصيرة يؤطرها كتاب القصة القصيرة المغاربة دون سواهم من باقي الفاعلين في الحقل الأدبي ويلهمها في ذلك المشترك الجمالي والمضاميني للإنتاج القصصي القصير المغربي دون غيره من الإنتاجات الأخرى».

 

سؤال: إذا اختلف الناقد عن المبدع في الاختصاصات فلا بد أنهما يختلفان في الأصول والانتماءات؟

      

جواب: الناقد يحتاج لشهادات جامعية عليا كما يحتاج للتمرس على القراءة. أما المبدع فلا يحتاج لشهادات جامعية عليا ويكفيه التمرس على الكتابة كما أنه ليس بحاجة لمراجع خارجية مادام يكتب إبداعات جديدة وما دام هو مرجع ذاته.

 

 الناقد "يصعب" تصوره مشتغلا خارج أسرة الأدب وتدريس الأدب. أما المبدع فيمكنه الاشتغال في كل المهن بدون استثناء بحيث يمتهن التعليم كما كان حال محمد شكري أو الصحافة كما هو حال رشيد نيني أو الشرطة كما هو حال الميلودي الحمدوشي أو البستنة كما هو حال محمد المرابط أو المحاماة كما هو حال عبد الرفيع الجواهري أو أن يكون بائعا متجولا  كما هو حال عبد الوهام سمكان أو غيرها من مهن الحياة...

 

سؤال: بتركيز شديد، هل أنت ناقد؟     

 

جواب: لواقع القراءة المتدني في العالم العربي أثر على تمثلات غالبية الناس ممن يعتبرون كل من يكتب في مجال الأدب مبدعا بينما يبقى كل من يكتب عن الأدب ناقدا!

 

المبدع، حتى حين يكتب عن الأدب، فهو يكتب عن الأدب للكُتاب ولذلك تتضح قراءاته بأنها على الدوام "قراءات عاشقة".  أما الناقد فهو يكتب عن الأدب للقراء ما دام المؤلف بالنسبة له "في عداد الموتى"...

 

وبين هذا وذاك، أجدني في قراءاتي للإبداع الأدبي أكتب دوما "قراءات عاشقة" لمبدعين أحياء إلى الأبد أنتمي إليهم وأعتز بهم وبالقرابة إليهم...

             

العودة إلى صفحة الحوارات الأدبية

 

خريطة الموقع

 

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

 روايات

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

رهانات الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

مجاميع قصصية على الخط

الألبوم المفتوحُ

تقديم أعمال الأصدقاء

مجاميع قصصية مشتركة

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

saidraihani@hotmail.com

<title>http://www.raihantat.com/arabicversion-interviews2-index.htm</title>

<meta name="description" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، سلسلةُ حوارات شاملة من أربعين َ لقاءً صحفياً مع محمد سعيد الريحاني أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

<meta name="keywords" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، حوارات صحفية، لقاءات صحفية، أدب، فكر، فن، سياسة، محمد سعيد الريحاني، أنس الفيلالي">