رَيْحَانِيَاتٌ
"أربعون
40
حوارا مع
مُحَمّد
سَعِيد
الرَّيْحَانِي"
سلسلةُ
حوارات شاملة
أجراها
الشاعر
المغربي أنس الفيلالي
عن
المطبخ:
من
لا يعرف كيف
تطبخ الأمور،
لا يعرف كيف
تؤكل
سؤال: لكل
فعل فضاء خلفي
يحفظ له مخاضاته
ومكابداته.
البعض يسميها كواليس
والبعض الآخر
يسميها مطبخ...
خارج مطبخ
الكتابة، هل
ثمة ما يربطك بالمطبخ
الحقيقي
المرتبط
بالتغذية
والامتلاء؟
جواب: الطبخ
بالنسبة لي
ليس "عقوبة"
ولا هو " ضرورة"
ولا كان في يوم
من الأيام "واجبا".
لقد كان الطبخ
ولا زال
بالنسبة لي "هواية"
قبل كل شيء.
وأصدقائي، وهم
بالمناسبة
قليلون،
أغلبهم
طباخون ومنهم
من يشتغل
طباخا في
مطاعم معروفة
في لندن
وبرشلونة
ومدريد
وغيرها من
عواصم الطبخ.
وحين نلتقي في
الصيف، أغلب
دردشاتنا
تنصب على
الوصفات
والحميات حتى
ينتبه لأمرنا زبناء
المقهى ممن
لهم ميولات
ذكورية
ككرة القدم
والتجارة
وروتين
المهنة...
سؤال: هل
يتعلق الأمر بمدارس
في الطبخ؟
جواب:
عواصم الطبخ
العالمية
تتصدرها
الدول العريقة
وهي تتسلسل
كالتالي: الصين
وتتبوأ
المكانة الأولى
لمزجها في
فنون مطبخها
بين التداوي
والتغذية
طبقا للطب
الصيني
العريق. تليها
الهند
لكونها أولا
عاصمة التوابل
في العالم منذ
عصر النهضة
ولكونها ثانيا
عاصمة المائدة
النباتية
المستمدة من
فلسفات الهند
العريقة. ثم
تحل ثالثة
على منصة
الطبخ
العالمي، المكسيك،
عاصمة الأزتيك،
إمبراطورية
أمريكا
بشمالها
وجنوبها قبل
دخول الإسبان
الذين مسحوا
المعمار الأزتيكي
من الوجود
فيما قاوم
المطبخ الأزتيكي
عبث الدخلاء. أما
المرتبة الرابعة
فقد تكون
مفاجأة...
المرتبة الرابعة
في الطبخ
العالمي هي للمغرب
نظرا لكونه
كان على مر
التاريخ
"ملتقى" لتيارات
الهجرة والتهجير
التي أبدعت
هذا التنوع
العجيب للهوية
المغربية
بمكوناتها
الخمس: الأمازيغية
واليهودية
والعربية
والأندلسية
والإفريقية.
وعلى خلفية
المكونات
الخمس للهوية
المغربية،
يمكن التمييز
بين خمسة
ألوان من
المطابخ الكبرى
في المغرب:
أولها، المطبخ
الأمازيغي
وهو ينقسم إلى
ثلاثة أقسام.
مطبخ أمازيغ
الشمال
المغربي
القادمين من
أرض كنعان
والمعروفون
بعزة النفس
والحس العالي
بالكرامة وهو
ما كان السبب
في لجوء آشور بانيبال
إلى تهجيرهم
في القرن
السادس قبل
الميلاد ليس
فقط خارج آشوريا
إمبراطوريته
وإنما خارج قارة
آسيا.
وثانيها، مطبخ
أمازيغ الوسط
المغربي
القادمين من آسيا
الوسطى.
وثالثها،
مطبخ أمازيغ
الجنوب
المغربي
القادمين إلى
مغرب قبل آلاف
السنين من اليمن
حاملين معهم
معمار اليمن
ومطبخ اليمن والزي اليمني
ومظهر النحالة
الذي يشتهر به
اليمنيون منذ
القدم. ويُرجح
أن يكون أمازيغ
الجنوب هم من
أدخلوا الكسكس
إلى المغرب.
ولا زالت
الطريقة اليمنية
في أكل الكسكس
سائدة في المغرب
وخاصة قاعدة
ترك اللحم
آخرا وتوزيعه
بالقسط بين الطاعمين...
يلي المطبخ الأمازيغي،المطبخ
العربي الذي
دخل المغرب
على فترات
متباعدة بدأت
الأولى مع
الفتح في القرن
الثامن
الميلادي ثم
الثانية في
عهد حكم الدولة
الفاطمية
لشمال
إفريقيا...
وأهم إسهامات
هذا المكون في
حقل المطبخ
تتجلى في
العجائن
والفطائر من رزيزة وحرشة
وبغرير ورغايف
وملوي ومخمرة...
ومن هذه
الفطائر تعد
الأطباق
المميزة ك"الفتات"
و"الرَفيسة"
وغيرهما.
أما
المطبخ الأندلسي فقد
هاجر إلى
المغرب مع
جحافل الأندلسيين
الوافدين بعد
انهيار الأندلس
وسقوطها في يد
الإسبان
عام 1492ميلادية.
ولأن التهجير
كان شاملا فقد
كان
الأندلسيون طبقتين:
طبقة الأندلسيين
الأرستقراطيين
القادمين من
عواصم ملوك
الطوائف حيث
كانوا ملاك
أراضي وتجارا
وطبقة الأندلسيين
البروليتاريا
القادمين من جبال
الأندلس حيث
كانوا يعملون
كمزارعين.
وحمل الأندلسيون
معهم في
هجرتهم إلى
المغرب
الفنون
والثقافة والحرف
والمطبخ
الأندلسي وقد
تمركزوا بشكل خاص
شمال المغرب
من وجدة غربا
إلى تطوان
وطنجة
والرباط
شرقا مرورا بفاس،
عاصمة المغرب
الوسيط.
وبينما يتميز
المطبخ الأندلسي
البروليتاري
لمن يسميهم
المغاربة
اليوم ب"اجبالة"
بالوجبات
البسيطة
المعتمدة
على القطاني
وخاصة "البصارة"،
يتميز المطبخ الأندلسي
الأرستقراطي
بتكلفة
وصفاته ونخبويتها.
لذلك،
يحتفظ به
المغاربة
للمناسبات
السارة
كالأعراس
وغيرها من الحفلات
الكبيرة. ومن
بين هذه
الأطباق الباذخة:
البسطيلة
والمروزية
وحلويات الأفراح
وغيرها...
أما
المطبخ اليهودي
فوفد إلى
المغرب على
مرحلتين. المرحلة
الأولى هي
مرحلة هجرة
اليهود السفرديين
في القرن
السادس قبل
الميلاد
والذين
اختلطوا حد
الذوبان بالأمازيغ
فتأمزغوا
وكانوا في
غالبيتهم فلاحين
وعمالا
وحرفيين
وبالطبع كان
مطبخهم ينتمي
لهذه الطبقة
الدنيا من هذا
المكون
المغربي. ثم
جاءت المرحلة
الثانية،
مرحلة الهجرة
اليهودية
الثانية إلى
المغرب في
القرنين
الخامس
والسادس عشر الميلادي
لكن هذه المرة
مع يهود عرب
من طبقات اجتماعية
رفيعة وصل
بهم الحس
بالتمايز
الطبقي عن
إخوانهم اليهود
السفرديين
الأمازيغ
إلى حد منع
الاختلاط بين
الفئتين من
المكون اليهودي
المغربي داخل
المعبد
الواحد...
وماعدا
النزوع
الواضح نحو
الإكثار من
التوابل
والأكلات
الخاصة
بالمناسبات
الدينية (الرقاقة
وغيرها)،
فإن الطبخ اليهودي
المغربي في
نسختيه الأمازيغية
والأندلسية
يبقى مطبخا أمازيغيا
أو أندلسيا بخصوصية
غير ملحوظة...
أما المكون
الخامس
والأخير
للهوية
المغربية، المكون
الإفريقي،
فقد أدخل
مطبخه إلى
البيت
المغربي على
مراحل مفتوحة
على الزمن
بفعل انتماء
المغرب جغرافيا
وثقافيا إلى
القارة
الإفريقية
أولا، ثم بسبب
انخراط
المغرب، بعد
انتصاره الكبير
في معركة
وادي المخازن
في القرن
السابع عشر،
في المد
الاستعماري
الذي دشنته
الدولة
المغربية
الناهضة إذ
بدأ المغرب
يتوسع جنوبا
ويطيح
بإمبراطوريات
إفريقية عظيمة
كإمبراطورية تومبوكتو
الأسطورية
ويقتاد
العبيد
والإماء
لتشغيلهم في
قصور إقطاعيي
المغرب أو
المتاجرة
فيهم. ولأن
هذا المكون
كان مملوكا
فقد كان يطبخ
لغيره ما
يشتهونه
بينما ظل هو
محروما من طبخ
ما يشتهيه
لنفسه ما دام
يعيش في نفس
بيت "مالكيه".
لذلك،
يصعب رصد مطبخ
إفريقي ذي
خصوصية واضحة
في المغرب...
سؤال: تصنيف
المغرب
رابعا، هل
يعني أنه
متقدم على مطابخ
عالمية
كالمطبخ
الإيطالي؟
جواب: في
التصنيف
المعتمد
دوليا في
مدارس الفندقة
والطبخ، يحل المغرب
بلد الاربعين
مليون نسمة رابعا
على المستوى
العالمي بعد
كل من الصين
بلد المليار
ونصف المليار
نسمة والهند
بلد المليار
والمائة ألف
نسمة والمكسيك
بلد المائة
مليون نسمة. ولكنه
يتقدم على دول
من العيار
الثقيل صنعت
حضارات أثرت
في مسار
الإنسانية
كالمطبخ الإيطالي
والمطبخ الفرنسي.
ويعود السبب
وراء ذلك لكون
المطبخ المغربي
يقدم "أطباقا"
بينما يقدم
المطبخ الإيطالي
بشكل يكاد
يكون حصريا
"عجائن" من
باسطا وماكاروني
واسباغيتي
وبيتزا
فيما يعول
المطبخ
الفرنسي على
السلطات لارتقاء
سلم التصنيف
العالمي
معتمدا على
أسماء سلطات
صارت ماركات
مسجلة عالميا
مثل: La tarte à tomate, La salade Niçoise وغيرهما...
سؤال: المطبخ،
ماذا يعني لك؟
جواب: كتب
الفيلسوف
والمسرحي الإيرلندي
مرة مدافعا عن
المسرح بأن المسرح
هو الواجهة
الثانية
للحياة ولما
تسير عليه
الأمور على
الأرض وبأن من
لا يفقه شيئا
في ما يجري
على خشبة
المسرح لن
يفقه شيئا في
ما يجري على
الأرض. وبالتالي،
فالمتلقي
الساذج للعروض
المسرحية
داخل قاعة
المسرح هو
مواطن مغفل على
الأرض: في
بيته وحيه
ومدينته
وحيثما حل وارتحل...
ما يقال عن المسرح،
يقال أيضا عن المطبخ.
فمن لا
يطبخ وجبته
ولا يقي نفسه
شر الجوع في
وقت الجوع، لا
يمكنه تلبية
باقي حاجات
جسمه وعقله وروحه
ولا يمكنه
الاستمتاع
بما يأكله
لأنه بكل
بساطة لا يعرف
"كيف تطبخ الأمور". إنه
لا يعرف "الطريقة
التي توجه بها
الأمور فتتخذ
المسار الذي
هي عليه"...
فمن خلال
المطبخ، تدخل
النساء قلوب
الرجال ليشعلن
حبهم لهن
وتعلقهم بهن.
ومن خلال
المطبخ،
يتسلل
الأعداء إلى
معدة ضحاياهم
ليوقفوا عداد
حياتهم كما
حدث مع الرئيس
المصري جمال
عبد الناصر
والزعيم
الفلسطيني ياسر
عرفات...
سؤال: هل
تختص في مطبخ
ما؟
جواب:
أنا لم أخض في
يوم من الأيام
تجربة العجن
والعجين.
ولذلك، لا
أعجن لا الخبز
ولا الفطائر
ولا الحلويات.
ثم إن
الاطباق التي
أكلتها منذ
صغري انتهت
بتملكي فصرت
لا أعدَ
غيرها. لا أعد
غير الأطباق
المغربية
الخالصة.
سؤال: كيف
تعلمت الطبخ؟
جواب: ككل
ذكور العالم
العربي، كان
المطبخ مغلقا
في وجهي خلال
فترات طفولتي
ومراهقتي. كما
كان دخولي
إليه لا يلقى
استحسانا لا
من أمي ولا من
أختي لأن "المطبخ
ورشة خاصة بالنساء"،
كما كان يقال
لي...
قد يبدو لك،
بأنني تعلمت
الطبخ فقط
بدافع إثبات
الذات لكن
الأمر مختلف.
فقد تعلمت
الطبخ تحت
ضغط الحاجة
للطبخ. فقد
وصلت إلى
الجامعة وأنا
لا أجيد قلْي
بيضة في الزيت
ولا حتى إعداد
الشاي أو
القهوة. ولأن
ميزانية
الطالب ضعيفة
ولا تسمح له
بالأكل يوميا
في المطاعم
خارج البيت،
فقد كان لا بد
لنا، نحن
الطلبة، من
الطبخ
بأيدينا.
وبذلك، كانت
هذه أول فرصة
لي لدخول
المطبخ
والاشتغال في
حرية دون
احتجاج أحد بل
بإلحاح من
جميع ممن
كانوا
يتهربون من
الطبخ
فتعلمت، بهذه
الطريقة،
الطبخ وتدربت
على أولياته في
معدة زملائي...
كان هذا أيام
الجامعة حيث كسرت
حاجز دخول
المطبخ أما
بعد دخولي
عالم الوظيفة
وتعييني في
أقاصي المغرب
فقد شاءت
الصدف أن
ألتقي زميلا
أستاذا في
مهنته وفي
الطبخ. وقد
تعلمت منه
الكثير وأرجو
ألا يختم هذا
الحوار دون
تحية عرفان
وتقدير له...
حوار
منشور على
مجلة "لكل
النساء"
الشهرية
المغربية،
عدد فبراير 2012
العودة
إلى صفحة
الحوارات
الأدبية
خريطة
الموقع
جميع
الحقوق
محفوظة
للمؤلف |
<title>http://www.raihantat.com/arabicversion-interviews2-index.htm</title>
<meta name="description"
content="
"في حضرة
الصمت والاحتجاج"
<meta name="keywords" content=" "في
حضرة الصمت والاحتجاج"