رَيْحَانِيَاتٌ

 

 

أنقر على الصورة لتكبير غلاف الكتاب

 

"أربعون 40 حوارا مع مُحَمّد سَعِيد الرَّيْحَانِي"

 

سلسلةُ حوارات شاملة أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

 

 

 

 

الأدب والبحث العلمي والبدايات

       

 

 

سؤال: بدأت الكتابة الإبداعية في سن مبكرة من العمر، ولكن على مستوى النشر بدأت مشوارك بنشر كتاب "الاسم المغربي وإرادة التفرد" عام 2001 والتي كانت في وقتها أول دراسة سيميائية للاسم الفردي العربي. كيف نما وترعرع هذا الاهتمام بثقافة الجزئي والتفصيل الصغير؟

 

جواب: في الطفولة، وأنا أتلمس طريقي نحو عوالم الرسم والتشكيل، قرأت على صفحات إحدى مجلاتي الصغيرة الأثيرة أن على المبتدئ في الرسم تأمل التفاصيل الصغيرة التي تصنع اللوحة كأن يجلس قرب شجرة ويتأمل كيف يخرج الجذع من الأرض ملتويا، وكيف تتشعب الأغصان وتلتوي وترتفع متشابكة نحو السماء، وكيف تلتصق الأوراق بالأغصان ناظرة نحو كل الاتجاهات: نحو الأسفل، نحو الأعلى، نحو اليمين ونحو اليسار...

 

           كان الرسم أول دليل قادني إلى جمالية الجزئي وفلسفة الجزئي وعبقرية الجزئي، ثم صار بعد ذلك دليلي إلى ثقافة الاستمتاع باللحظة وبتفاصيلها ...

 

سؤال: أهم ما ميز كتابك الأول "الاسم المغربي وإرادة التفرد" الصادر عام 2001 هو الوعي بالاختلاف.

 

جواب: الوعي بالاختلاف أو الوعي بالتفرد هو نتيجة رحلة شاقة ومغايرة هدفها العودة إلى البراءة، إلى الطفولة والمصالحة مع الذات. فقد بدأت مساري الأدبي الإبداعي في سن الرابعة والعشرين من العمر بقراءة خمسين 50 حلما من أحلامي التي تطلب مني تذكرها عند اليقظة وجمعها وتحليلها حوالي خمسة أشهر قبل الوقوف على ما لا أستطيع إنكاره: حقيقتي العميقة.

 

            في بداية المغامرة، مغامرة النزول إلى كهف الذات، كانت الدهشة التي وصلت حد الصدمة. وفي المرحلة الثانية، كانت محاولة قراءة لغة الحلم المعقدة وفهمها والاستئناس بها. وفي المرحلة الثالثة، كانت محاولة المصالحة مع الذات من خلال تصحيح الشخصية وتقويمها وتوجيهها نحو اختيارات جديدة وآفاق جديدة وحياة جديدة. وفي المرحلة الرابعة والأخيرة، حيث صار المعقد في لغة الحلم بسيطا والصادم في مواضيعها مفهوما، بدأت أكتب أحلامي.

 

              وبذلك، بدأت الخطوة الأولى الحقيقية في رحلة الألف ميل نحو عوالم الكتابة الإبداعية حيث تجاوزتُ كل حواجز المنع بالوصول إلى الشجرة المقدسة أو المحرمة (لا يهم نعتها) حيث الثمرة تعادل الموهبة والإبداع والخيال اللامحدود والجرأة التي ينشدها كل ذي قلب خفاق...

      

سؤال: الكتابة الإبداعية والخلفية الفكرية هل هما بالضرورة متلازمتان؟

 

جواب: على مستوى المضمون، على الكاتب أن يكون باحثا في مجال كتابته أو أن يقوم ببحث مصغر في موضوع كتابته.

 

            أما على مستوى الشكل، فعلى الكاتب "تبني" فلسفة جمالية قائمة الذات أو "بلورة" مشروع جمالي خاص به يكسبه فرادته وخصوصيته.

 

            الرؤية الناضجة في العمل الأدبي، إذن، تتجلى على مستويين متوازيين: على المستوى الجمالي وعلى المستوى الفكري، لكنها، في الحالتين، تبقى أولوية تسبق الشروع في تكوين النص حيث يمكن للكاتب البدء بتكوين رؤية عن الذات من خلال تفسير الأحلام والسلوك والعلاقات الإنسانية، أو تكوين رؤية عن المجتمع بعد دراسة بنياته وعلاقاته وتكوين موقف منه أو تكوين رؤية عن الوجود... لكن لا يجوز أبدا مباشرة فعل الكتابة قبل اكتمال الرؤية ووضوحها. لا يجوز مطلقا مباشرة فعل الكتابة إلا بعدما تتحدد المنطلقات والغايات والأدوات....

 

سؤال: من بين مجالات الحياة اللامحدودة، أين تجد القصة القصيرة ذاتها أفضل؟

 

جواب: عكس الرواية التي ترصد الحياة وتقدم أحداثها مسترسلة ومتناسقة، تركز القصة القصيرة على لحظة منفردة من لحظات الحياة في معزل عن الماقبل والمابعد.

 

سؤال: أصوات نصوصك، هل هي أصواتك الدفينة وقد تجلت بصيغ المفرد والمتعدد أم هي أصوات قراءاتك ومشاهداتك أم هي أصوات غيرك ممن عرفت من الناس؟

جواب: فعل الكتابة مثل فعل التاريخ تماما. فكما التاريخ يجمع كل الأحداث ويسحقها في طاحونته دونما إنصات للأصوات الصغيرة، فكذلك فعل الكتابة يطحن كل الأصوات الصغيرة ليحيلها إلى صوت يتعالى على الجميع: صوت الكتابة التي لا يعرف أحد مصدرهاولا غايتها...

 

سؤال: وماذا عن تقنياتك القصصية؟ هل لكل النصوص تقنية واحدة ولغة وحيدة أم لكل نص تقنياته ولغته الخاصة؟

 

جواب: عندما يوجه لي سؤال شائع من طينة "أيهما أسبق: الشكل أم المضمون؟ المنهج أم المادة؟"، لا أجزم في الجواب. ذلك، أن المضمون والشكل يتبادلان الأدوار والقيادة. ف"اللعب بالأشكال" مثلا، يولد "مضمونا مبتكرا" يحيل على "الحرية" كرسالة تواصلية وكفلسفة في الكتابة والحياة معا. كما أن "اللعب بالمضامين"، من جهته، يولد "شكلا جديدا" في مقاربة المضامين لتجاوزها جميعا.

 

            وتأسيسا على ذلك، يصبح لكل نص شكله الخاص وأساليبه الخاصة وطرائقه الخاصة التي تسمو به فوق كل النصوص النمطية وكل الرؤى النمطية للكتابة الإبداعية الأدبية. وهذا ما لا يتمناه القراء والنقاد ممن يقرؤون النص الإبداعي الأدبي انطلاقا من مرجعية معينة، من خلال عين واحدة، وباستعمال أدوات جاهزة للقياس والتجريب على كل النصوص في كل مكان وزمان...

 

            بَقيَ التمييز بين "الرؤية" الإبداعية وبين المضمون والشكل في العمل الإبداعي. ف"الرؤية" ضروري نضجها واكتمالها ووضوحها قبل الشروع في الكتابة. أما المضمون والشكل فيمكن تجريبهما خلال عملية الكتابة في مراحلها المتعددة من تسويد ومراجعة وتحرير وتنقيح، كما يمكن تغييرهما عشرات المرات قبل الاقتناع بالمضمون والشكل النهائيين المناسبين للنص.

 

            إن "الرؤية" هي ما يجمع بين الشكل والمضمون ويؤلف بينهما ويجعل منهما نصا يتجاوز ثنائية الشكل والمضمون بحيث يصبح معها المضمون هو "الجوهر العميق للشكل" ويصبح معها الشكل هو "التجلي الظاهر للمضمون".

 

سؤال: ما مواضيع كتاباتك السردية؟

جواب: مواضيع كتاباتي السردية هي "الحاءات الثلاثالحرية والحلم والحب أولا، تليها في الترتيب والتصنيف والاهتمام المواضيع الستة والتسعين المتبقية من المحاور التسعة والتسعين التي أبدع فيها الإنسان منذ بداية الخليقة حتى هذه الساعة من هذا اليوم، كما أحصاها الباحثون البنيويون...

 

سؤال: وماذا عن أشكال الكتابة القصيرة، خاصة القصة القصيرة جدا؟

 

جواب: "كلما اتسعت الرؤيا، ضاقت العبارة" هكذا كتب النفري مرة. فالجملة القصيرة والنصوص القصيرة بما فيها القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا لا يمكن أن يلجها إلا من شد الرحال إلى معبد اللغة وطاف لسنين حول قواعد الكتابة الشذرية القصيرة ...

 

             فالشكل القصير في التعبير سهل ممتنع. ولذلك كان الإسهاب والإطناب والإفاضة والإطالة مرحلة أولية في نمو كفايات التعبير لدى الكتاب، بينما كان الإيجاز والتركيز والتكثيف والترميز دليلا على مرحلة نضج تعبيري متأخر...

 

سؤال: هل يفهم من هذا أن المبدعين ليسوا سواسية وإنما درجات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما مراتبهم؟

 

جواب: الباحث هو مستوى من التطور العلمي والمعرفي الذي يرتقي إليه كل شغوف بالمعرفة والعلم بحيث يصبح هذا الباحث وسيطا بين المعرفة وبين القراء، لكن يبقى أفقه هو أن يصبح في يوم من الأيام مفكرا. فالمفكر هو درجة من النضج العلمي والمعرفي يرتقي بموجبها الباحث درجات ويصبح من خلالها مرجعا علميا ومعرفيا، لا مجرد وسيط يحيل على مراجع أخرى.

 

             وهذه المرتبة، مرتبة المفكر، يلتقي فيها وافدون من حقول معرفية شتى بحيث نجد إعلاميين من طينة محمد حسنين هيكل، ومؤرخين من فئة عبد الله العروي، وباحثين في علم الاجتماع من طينة عبد الكبير الخطيبي، وأدباء من عيار أدونيس...

 

          على هذه الخلفية، يمكن التمييز بين ثلاثة أصناف من المبدعين في كل مجال من المجالات الفنية والأدبية: "المبدع الخالص"  و"المبدع الواعي بأدواته" و"المبدع صاحب المشروع الجمالي".

             فبينما يعترف "المبدع الخالص" بقصوره الفكري والجمالي ويقدم نفسه كمبدع تتجاوزه الحقيقة الفكرية والنظرية الأدبية معا، يتعداه "المبدع الواعي بأدواته" في سلم التصنيف ل"انتمائه" و"انخراطه" في مشروع فكري أو جمالي لم يساهم في التأسيس له وإنما يساهم في الترويج له عبر الانضباط لمناهجه وضوابطه. فيما يصبح "المبدع صاحب المشروع الجمالي" أو "المبدع المفكر" أو "المبدع المنظر" هو أعلى درجات الإبداع على الإطلاق.

 

            ولتقريب الصورة أكثر، يمكن ضرب مثال "المبدع صاحب المشروع الجمالي" أو "المبدع المفكر" أو "المبدع المنظر" الذي هو أعلى درجات الإبداع بأدباء عرب من طينة الشاعر السوري أدونيس والشاعر المغربي محمد بنيس وقلة قليلة دونهما، كما يمكن ضرب مثال "المبدع الواعي بأدواته" والمنخرط في مدرسة إبداعية بعينها كالروائي المصري نجيب محفوظ وعشرات المبدعين الآخرين،  فيما يمكن ضرب مثال "المبدع الخالص" بالكاتب المغربي محمد شكري وآلاف الكتاب والشعراء والمسرحيين المتبقين...

 

سؤال: من بين مراتب المبدعين الثلاثة التي حددتها، أين تصنف نفسك؟

 

جواب: أرجو أن أكمل مشروعي السردي الذي بدأته قبل خمس سنوات، أي عام 2006، مع إصداري لبيانات التأسيس "للمدرسة الحائية"، مدرسة السرد العربي الغدوي، و"الكتابة الحائية". وآنئذ، مرحبا بتصنيفي في أي مرتبة يرتئيها القراء والنقاد والمبدعون تليق بي وبإنتاجاتي الإبداعية والتنظيرية.

                        

             

 

العودة إلى صفحة الحوارات الأدبية

 

خريطة الموقع

 

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

 روايات

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

رهانات الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

مجاميع قصصية على الخط

الألبوم المفتوحُ

تقديم أعمال الأصدقاء

مجاميع قصصية مشتركة

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

saidraihani@hotmail.com

<title>http://www.raihantat.com/arabicversion-interviews2-index.htm</title>

<meta name="description" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، سلسلةُ حوارات شاملة من أربعين َ لقاءً صحفياً مع محمد سعيد الريحاني أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

<meta name="keywords" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، حوارات صحفية، لقاءات صحفية، أدب، فكر، فن، سياسة، محمد سعيد الريحاني، أنس الفيلالي">