رَيْحَانِيَاتٌ

 

 

أنقر على الصورة لتكبير غلاف الكتاب

 

"أربعون 40 حوارا مع مُحَمّد سَعِيد الرَّيْحَانِي"

 

سلسلةُ حوارات شاملة أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

 

 

 

 

"بِدَعٌ" أدبيةٌ

                                         

 

 

 

 

 

سؤال: تشهد الساحة الأدبية حاليا رواجا أدبيا منقطع النظير على المستوى الإلكتروني. ما أسباب ذلك وكيف تقيم الظاهرة؟

جواب: حين يقع العطشى عَرَضاً على نبع الماء، لا يمكن تقييم هياجهم وجنونهم وفرحهم بإمكانية نجاتهم. ما يحدث لعطشى الماء هو ذاته ما يحدث لعطشى النشر. فأمام إغلاق باب النشر الورقي على صفحات الجرائد الوطنية في وجه غير المنتسبين للحزب السياسي أو لقبيلة المشرف على الصفحة الثقافية جاءت الإنترنت كهبة من السماء أنقذت آلاف المواهب وأنعشت الأمل في قلوب آلاف  الملسوعين بنار الكتابة فكان الخروج الجماعي للنشر الإلكتروني.

ومع كل ذلك، يبقى النشر الإلكتروني مجرد عتبة لإثبات الذات. كما يبقى مجرد وسيلة لتلقي التصحيحات والتنقيحات والانتقادات مباشرة على الخط قبل النشر الورقي. كما يبقى النشر الإلكتروني أيضا وسيط جيد لاقتحام عالم النشر الورقي الذي يظل هدفا لا يمكن التنازل عنه بالنسبة لأي كاتب ناشئ أو متمرس.

 

سؤال: البعض صار يروم الأنواع الأدبية التي يرونها سهلة كالقصة القصيرة جدا وقصيدة الهايكو وغيرهما؟

جواب:  ليس هناك أنواع  أدبية سهلة على الإطلاق. فلو كانت هناك أنواع أدبية سهلة لكتب الروائي في القصة القصيرة جدا ولنظم شاعر الملاحم قصائد هايكو...

البعض يعرف القصة القصيرة جدا كشكل من أشكال القص. وأذكر أنني  حضرت في نهاية شهر يناير من عام  2008 جدالا بين أنصار القصة القصيرة جدا الذين يعتبرونها "نوعا" أدبيا جديدا ذا مستقبل أدبي واعد وبين خصومها الذين يرونها مجرد "شكل" قصصي قصير يلجه المتمرنون من الكتاب الشباب استعدادا لدخول عالم القصة القصيرة.

 

ولأنني لم أكن لا مع هذا الفريق ولا مع ذاك، فقد قررت تجريب الأمر بنفسي. ولا أخفيك سرا بأنني وجدت الأمر صعبا  للغاية منذ المحاولة  الأولى رغم أنني أصلا كاتب قصة قصيرة وفي رصيدي، آنذاك، ثلاث مجاميع قصصية. إذ وجدت نفسي أكتب "النكتة" تارة ، و"الحكمة" تارة أخرى، و"خبرا" تارة ثالثة. والثلاثة، "نكتة" و"حكمة" و"خبر"، هي  جميعها أشكال تعبير لا يربطها بالقصة القصيرة جدا غير عنصر "القصر"...

وبالمراس ومع الزمن، تحسن عطائي في القصة القصيرة جدا التي أصبحت أحبها وأقدرها كما أحب وأقدر كُتَّابَها وَكُتَّابَ قصيدة الهايكو وغيرهما من الفنون الأدبية "المينيمالية" الجميلة التي لا يمكن أن يبدع فيها إلا المُلْهَمُون، سواء كانوا "شبانا" أو "كبارا"...

إن المسألة، بالنسبة لي، هي مسألة "نَفَس". لكل نوع أدبي نَفَسُهُ: الرواية نَفَسُها طويل كَنَفَس الحياة، والقصة القصيرة نَفَسُها أقصر كَنَفَس الرحلة، والقصة القصيرة جدا نَفَسُها قصير جدا كَنَفَس الفكرة أو الحلم...

وكما لا يمكننا المفاضلة بين الحياة والرحلة والحلم، لا يمكننا المفاضلة بين الرواية والقصة القصيرة والرواية.

 

سؤال: تتنامى ظاهرة المسابقات الأدبية والجوائز في شتى فروع الأدب في شرق العالم العربي وغربه. ما رأيك في الجوائز الممنوحة في المغرب؟

جواب:  الاعتراف بالمجهود والعطاء مهم بالنسبة للإنسان سواء اشتغل في مجال الأدب أو في غير مجال الأدب لأنه يصبح "تكريما". وعليه، يبقى"تكريم الأديب" تقليدا ثقافيا يتمظهر من خلال  عدة أشكال  نبيلة كالتوشيح والتوسيم والعضويات الشرفية وتقديم الشهادات الأكاديمية الفخرية والاقتراح للجوائز وإطلاق جوائز باسم المكرم وتسمية المؤسسات الثقافية والشوارع والأحياء باسمه...

والجوائز الأدبية تأتي في هذا السياق من خلال ثلاثة  نماذج: فهناك جوائز التكريم والاعتراف بالمجهود، وهناك جوائز الاستقطاب ويطغى عليها الجانب الإيديولوجي، وهناك جوائز النهوض بحقل من الحقول الإبداعية كأدب الطفل وأدب المرأة وأدب حقوق الإنسان...

وفي جميع الأحوال، تبقى الجوائز الأدبية شكلا من أشكال "التكريم" الذي يحتاجه بشكل خاص "الكُتاب الشباب" وقد قام اتحاد كتاب المغرب بإطلاق "جائزة الأدباء الشباب" مند عقدين من الزمن  وقيمتها خمسة آلاف درهما 5000، تبعتها القناة الثانية المغربية في العقد الأول من الألفية الثالثة وكلاهما يحصر شروط  "أدب الشباب" في كتابات من هم "دون سن الثلاثين"  ولكن في أوساط النقد الأدبي يتوسع المفهوم ليشمل أيضا من ولجوا حديثا مجال الإبداع الأدبي بحيث يصبح الكاتب شابا ولو  نَيَّفَ على الخمسين من العمر عند صدور باكورة أعماله...

هذا عن "الأدباء الشباب"، أما "الأدباء الكبار"  فقد تم تخصيص جائزة "كبيرة" تليق بهم وهي "جائزة المغرب للكتاب" التي تقدمها وزارة الثقافة المغربية وقيمتها مائة وعشرين الف درهما 120000. وبقراءة أسماء الفائزين السنويين بها، يتضح بأن  مفهوم "الأديب الكبير" من بينهم يعني "كبير السن" لحظة تسلم الجائزة. وهو التقليد الأدبي الذي دام حتى سنة رفض القاص المغربي أحمد بوزفور الجائزة في صنف الإبداع لسنة 2002، إذ صارت تمنح لمن هم "ما بين سن الشباب ودون سن الشيخوخة" واستمر الأمر  على هذا النحو طيلة المدة ما بين 2003 إلى سنة 2009.  ثم عادت الجائزة إلى "كبار السن"مرة ثانية عام 2010...

إن السمة "الظاهرة" لتسليم الجوائز الأدبية في المغرب يطغى عليها شرط "السن الكبير" أما معيار"كَمّ الإصدارات والمقروئية والحضور على الواجهتين الإعلاميتين الرقمية والورقية" فتبقى معايير لم تجد بعد طريقها إلى لجان القراءة  التي، كما يبدو ذلك جليا لعموم المتتبعين،  لا تقرأ الأعمال المترشحة وإنما تكتفي بإعلان الفائز من بين "من سبق لهم أن قرؤوا له عملا من الأعمال في عام من الأعوام".

 

سؤال: ثقافة الحوار أضحت ثقافة ملازمة لصدور الإصدارات الجديدة. ما موقفك من ذلك؟؟

جواب: كنت حتى وقت قريب أعتبر بأن الحوارات هي أهم ما ينتجه المبدع لإيماني بأن الكاتب الذي ليس له ما يقوله عن إنتاجاته هو كاتب ليس له ما يقوله في كتاباته . ولذلك، أعطيت كل من حاورني خلال السنوات العشر الماضية كل ما تستحقه أسئلتهم من اهتمام وتركيز أحيانا وإفاضة واستفاضة أحيانا أخرى حتى شارف عدد الحوارات التي أجريت معي حتى الساعة على عتبات المائة حوار وبدأت الآن أفكر في طبعها في مجلد يحمل عنوان "الأعمال الكاملة: الحوارات الصحفية المنشورة".

 

أنا لا أرى في الحوارات الأدبية "عيبا" أو "بدعة". إنها مسار صحي وثقافة سليمة في مواكبة المستجدات الإبداعية. شخصيا، أرى من غير المناسب ترك القراءات النقدية لوحدها تستفرد بمشهد التلقي. الكاتب نفسه، بعد نشره عمله، يصبح متلقيا هو أيضا. وعليه، فشهادته هامة لإضاءة ما تعتم من جنبات الكتابة.

 

أما حاليا،  فأنا أعكف على الإجابة عن أسئلتك التي أجيب فيها عن الخاص والعام في حياتي الحميمية والثقافية والفنية والأدبية. ولمكانتك لدي، أتحمل كل هذا التعب وكل هذا الضغط الذي يولده تراكم المهام والواجبات في غرفة الانتظار.

 

 

سؤال: ولكن بعض المُحَاوِرين يستجوبون شخصيات أدبية لم يقرؤوا لها أبدا وهناك من يُعدُّ لوائح أسئلة ويعممها على الأدباء ممن يريدون التواصل والنشر؟

جواب:  ثقافة الحوار هي ما ينقصنا في حياتنا الخاصة والعامة. ففي موسيقانا، يكاد الحوار ينعدم لا بين المغنين على الخشبة ولا بين الآلات الموسيقية. وفي إبداعاتنا الأدبية، تكاد الأعمال المشتركة تنعدم في ثقافتنا العربية، حتى في رياضاتنا فإننا لا نحقق إنجازات رياضية إلا في الألعاب الفردية التي لا تقبل حوارا مع آخر كرياضات ألعاب القوى...

فإذا كانت ثقافة الحوار ضرورة حضارية فإنه سيكون من العبث قبولي بإجراء حوار مع مخاطب لم يقرأ لي ولا يعرفني أو بكل بساطة "لا يعترف بي": ألا تقرأ لأديب بسبب حاجز اللغة أمر مقبول ولكن ألا تقرأ لأديب يكتب لك بلغتك فأمر مختلف. ألا تقرأ لمبدع وفي نفس الآن تهرول لمحاورته، أمر يستعصي على التوصيف والتسمية ولا يمكن وصفه سوى بأنه مناف لثقافة الحوار التي يتدثر بها ويشتغل في إطارها.

 

سؤال: ظاهرة النشر الذاتي والتوزيع الذاتي، ما رأيك فيها؟

جواب:  تَمَلّكَ الثقافة المغربية مند الاستقلال وعيٌ بمسؤوليتها في التنمية والرقي بالبلاد وبمستوى تفكير ومهارة وذائقة المواطنين. وقد اعتمدت في البداية لتحقيق هذه الأهداف على "الرافعة الإيديولوجية". ولكنها قبيل نهاية القرن العشرين، تحررت نسبيا من الإيديولوجيا واتخذت منحى أكثر مرونة وتأقلما مع المحيط وصارت بذلك أكثر مجاراة لثقافة العصر: "التنمية الشاملة".

 

فقد حافظت الثقافة على الحامل الورقي التقليدي (=الكتاب والجريدة والمجلة) ولكنها انفتحت أيضا على النسخ "الصوتية" للإصدارات الورقية والتي غالبا ما تمركزت حول الأشرطة الصوتية لدواوين الشعر والزجل والخطب الدعوية الدينية فيما صار يعرف ب"الكتاب المسموع" ولو أن الأمر يتعلق ب"أشرطة صوتية". كما انفتحت الثقافة المغربية على حامل جديد، "شاشة الحاسوب"، وميلاد الكتاب الإلكتروني والجريدة الإلكترونية والمجلة الإلكترونية... وهو ما جعل الثقافة متوفرة في كل مكان وفي كل لحظة داخل المغرب وخارجه.

 

لكن العمل الثقافي في البلاد، رغم شكله التطوعي الحر وقصديته النبيلة وحماسته ووطنيته، هزمته النسبة العالية للأمية وظاهرة العزوف عن القراءة لمواطنين حاملين لشهادات دنيا وعليا. ولذلك، تبقى تجربة "التوزيع اليدوي للكتاب" بالنسبة للكاتب الناشئ خطوة تتقصد ثلاثة أهداف: أولها، الاطلاع على أحوال سوق الكتاب ورجالاته وزبائنه؛ ثانيها، إخراج الكتاب بالقوة للسوق ضدا على إرادة بعض دور التوزيع التي تشترط اسما معروفا لقاء قبولها توزيع الكتاب؛ ثالثا، مبارزة العزوف عن القراءة من خلال قرار "الّذهاب مباشرة للقارئ وعدم انتظاره".

 

لو كانت لدينا دور نشر بخط ثقافي واضح ولجان قراءة وسياسة تسويقية فعالة ووضوح في التعامل وحضور في المحطات الثقافية الكبرى... لو كان لدينا ذلك، لانطفأت جذوة الطبع الذاتي والنشر الذاتي والتوزيع الذاتي ولانطفأت معه أخطاره وخسائره.

             

العودة إلى صفحة الحوارات الأدبية

 

خريطة الموقع

 

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

 روايات

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

رهانات الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

مجاميع قصصية على الخط

الألبوم المفتوحُ

تقديم أعمال الأصدقاء

مجاميع قصصية مشتركة

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

saidraihani@hotmail.com

<title>http://www.raihantat.com/arabicversion-interviews2-index.htm</title>

<meta name="description" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، سلسلةُ حوارات شاملة من أربعين َ لقاءً صحفياً مع محمد سعيد الريحاني أجراها الشاعر المغربي أنس الفيلالي

<meta name="keywords" content=" "في حضرة الصمت والاحتجاج"، حوارات صحفية، لقاءات صحفية، أدب، فكر، فن، سياسة، محمد سعيد الريحاني، أنس الفيلالي">