ريحانيات

حوار جيلين

 

مجموعة قصصية مشتركة

بين إدريس الصغير ومحمد سعيد الريحاني

 

باب إدريس الصغير

 

 

 

 

 

النص الرابع

 

 

 

 

 

 

نومانز لاند

 NO-MAN'S-LAND

 

 

 

 

 

 

 

 

لم تفضل له سوى عيبة جلدية صغيرة سوداء ممزقة. هكذا رآها مكومة بين قدميه التائهتين المرتعشتين الغريبتين، فوق ترى الطوار الضيق المترب. لم يكن بها سوى فرشاة أسنان وقطعة صابون وملابس داخلية، وبطاقة هوية.

          رفع بصره بعينيه الدامعتين، يتأمل أكوام الرماد، الخامد وخيوط الدخان الرفيعة المتصاعدة منه نحو السماء باحتضار، وسط جلبة أصوات الجمع، وهمهماتهم، خليط من مواساة وتشف، وشفقة. لم يكن راغبا أبدا في أن يتفرس في الوجوه ولا أن ينبس ببنت شفة، كان راغبا عن كل شيء، ولم يكن راغبا في أي شيء. أنه تحصيل حاصل. غير أنه كان دائما يستغرب هذه الحالة الشاذة. هذه اللحظة البيضاء، التي تمسي فيها كل الأشياء، بدون طعم وبدون رائحة، هكذا حتى بدون أبعاد. لا حجم لها بتاتا. أهي أطياف...

          ثم أنه الآن يحار، أييمم نحو الشمال أم نحو الجنوب أم نحو الشرق أم نحو الغرب. لا يدري. ضاقت به الأرض بما رحبت. أم تراه يعلو في فضاء السماء الفسيح، متخلصا من الجاذبية. مسافرا بين الأقمار والأجرام، متنقلا بين المجرات، فلا شرطة تكبسه، ولا مخبرين يتشممون آثار أقدامه، ولا دائنين. يتعقبون سحنته المتجهمة.

 

          آه من الديون.

          ثم لا خيانة.

          آه من الخيانة.

 

أم ترى من الأفضل له أن ينغرس في الأرض، مخترقا طبقاتها الصخرية، نحو المركز الذي مازال لحد الآن، ومنذ بدء الخلق ملتهبا، يعج بالحمم المحرقة.

فكر في أنه كغيره من المخلوقات لا بد أن ينتهي إلى حفرة باردة مظلمة ضيقة. لكن قبل ذلك عليه أن يسير.

 

          إلى أين يسير؟ !

          سار بتوأدة والعيبة تحت إبطه، سار مغمض العينين. غير أنه كان يرى كل شيء أكثر جلاء من ذي قبل. الطرقات والمحلات التجارية والعمارات و السيارات المارقة، والناس الذين يغدون ويروحون ويتكلمون ويزمجرون ويضحكون، كل شيء جلي وواضح. هذا هو البيت الذي ولد فيه، منذ نصف قرن، وقد تحول الآن إلى مخفر للشرطة، وهذه هي المدرسة التي تعلم بها، حيث صفع المعلمون وجنتيه، وجذبوا أذنيه، ووضعوا قدميه في الفلق، وطرقوا أطراف بنانه بالمسطرة الحديدية التي تكلم الأظافر وتدميها في أيام القر الثلجية، ليس لك الآن سوى عيبة جلدية صغيرة سوداء ممزقة.

 

          ليس لك شبر أرض. أو كوخ يأويك.

          لا أهل، لا رفاق، لا أصحاب.

          لا زوجة، لا أولاد.

 

 فقط مرارة الخيانة، تقطع أحشاءك، بموسى حادة مسمومة. حتى ضاقت بك الأرض بما رحبت. تأبط عيبتك، ولملم أحزانك، ثم انصرف قبل فوات الأوان.

           

 

 

 

 فهرس المجموعة القصصية

 

 

باب  إدريس الصغير

باب  محمد سعيد الريحاني

رجل، ورقة... وأحلام

في رحاب التقنية

في مقهى على ضفة نهر

هل قرأت يوما عن الأشباح؟

طريق الأحلام

الضياع

نومانز لاند / NO-MAN'S-LAND

فظاظة القبائل البعيدة

حقول الأقحوان وشقائق النعمان

الاسم "عاطل" والمهنة "بدون"

صانع الأحلام

الذي كان حرا

 أحلام طاميزودا

أحلام الظهيرة

 

 

 

خريطة الموقع

 

 

روايات

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

مجاميع قصصية على الخط

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

مجاميع قصصية مشتركة

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

رهانات الأغنية العربية

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

 

 

   <title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory7-index.htm</title>

<meta name="description" content="حوار جيلين، مجموعة قصصية مشتركة بين محمد سعيد الريحاني وإدريس الصغير

<meta name="keywords" content=" أضمومة، مجموعة قصصية مشتركة">