رَيْحَانيَات

 

رهانات الأغنية العربية المعاصرة

 

 

الفصل العاشر:

 

 

محنة الاسم الفني في الوسط الغنائي العربي:

بين اللاهوية واللاإبداع

 

 

 

 

 

في كتابنا "الاسم المغربي وإرادة التفرد" (الصادر سنة 2001) والذي اعتبر أول دراسة سيميائية للاسم الفردي العربي، حددنا الأنواع الخمسة للاسم الفردي:

 

*الاسم الفردي القانوني: ويخضع لسبع ضوابط صارمة دينية وقطرية وجهوية ولغوية ومجالية وجنسية وطبقية قبل أن يأخذ حلته النهائية ويخرج إلى المجتمع في شكل معجم إنساني إيجابي مستمد من "حب الحياة".

*الكنية: ترمز للتعظيم والتكبير داخل المجموعة (أبو عمار، أم كلثوم).

*اسم التصغير: ويستخدم للتودد أو للتحقير حسب الأوزان المستخدمة لنقل الغرض من التصغير.

*اللقب: يطلقه الآخرون على الملقب بدافع عدائي. واللقب، لهذا السبب، مبني على معجم سلبي.

*الاسم المستعار أو الحركي أو الفني: يطبعه الفرد لنفسه، عكس كل أشكال التسمية الأخرى. ويرتبط هذا الاسم الفني بمشوار فردي معين وهو يتقصد فصل الاسم الحقيقي عن الاسم الفني. أي، فصل الجانب التلقائي عن الجانب المسؤول والفاعل والمدروس من الشخصية. إن الفنان حين يفكر في حمل اسم فني، فهو يفكر في عدم المقامرة بكامل شخصيته أمام جمهور يتخوف منه. ولذلك، فهو يراهن بجزء من شخصيته فقط: تلك التي عنوانها هو "اسمه الفني"، أو اسمه المستعار. لكن، في بعض الأحيان، تتدخل دور الإنتاج لتقترح أو تمنح أسماء فنية لفنانين إما لأن أسماءهم الحقيقية ذات نبرة غير جميلة أو ذات إيحائية سلبية...

 

إذا كان الاسم الفردي القانوني "يفرض" على المرء في غيابه (=في طفولته)، وإذا كان أولياء الأمر المسلحين ب"سلطة التسمية" تفرض عليهم هم أيضا سلطة عليا هي سلطة المحددات السبع للتسمية (المحدد القطري والجهوي والمجالي والطبقي والنوعي واللغوي والديني) فضلا عن إجبارية المعجم الإيجابي... فقد ابتكر الإنسان، لإثبات ذاته، أشكالا اسمية مغايرة يطغى عليها طابع "الاختيارية" في مقابل "قدرية" الاسم الفردي القانوني. فهل يعكس الاسم الفني لدى الفنانات والفنانين العرب هذه "الاختيارية"؟ هل يعكس الاسم الفني العربي وعيا رمزيا مؤطرا يجعله بوابة لفلسفة الغناء لدى حامليه؟  

 

І)- خريطة الأسماء الفنية العربية:

 

أ)- الاسم الفني لدى فناني الأغنية العربية الكلاسيكية:

 

عرف الاسم الفني في الأغنية العربية الكلاسيكية أشكالا من التصرف الإسمي. فبينما أخلصت الغالبية للشكل الظاهري للتسمية القانونية مثل عبد الحليم حافظ وفايزة احمد وعبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدوكالي ونجاة الصغيرة … التجأ البعض الآخر إلى الاحتفاظ باسمه الفردي مضافا إلى جنسيته فكانت علية التونسية ووردة الجزائرية وسعيد المغربي… أما الصنف الثالث، فكان مغايرا للنمطين السابقين سالكا مسلك الكنية (أم كلثوم) أو طريق الاسم الأجنبي (أسمهان) أو سبيل النعث (طروب) أو أسماء الجواهر واللآلئ(فيروز)…

 

الاسم الفني في الأغنية العربية الكلاسيكية وضع لبنة أساس في البنية الرمزية العربية لكنها لم تعرف إضافات تذكر بعد الفترة الكلاسيكية. فالقواعد التي وضعها الرواد بقيت هي هي: قدس الأقداس. فلم تعرف الأسماء الفنية بعد الفترة الكلاسيكية خروجا على المألوف أو انزياحا عن القواعد اللسانية.

 

ب)- الاسم الفني لدى فناني الأغنية المغربية:

 

في المغرب، يتلون الاسم الفني باللون الموسيقي المصاحب لمشوار صاحبه الفني. هكذا، ففي فن الكناوي، مثلا، يبدأ الاسم الفني بالضرورة ب"المعلم": المعلم باقبو، المعلم زوزو...

 

وفي فن العيطة، يبدأ الاسم الفني للمطربة ب"الشيخة": الشيخة خربوشة، الشيخة الحمونية...

 

وفي فن أحواش وأحيدوس،  يبدأ الاسم الفني للمطرب ب"الرايس" أو "الرايسة": الرايس الدمسيري، الرايسة تابعمرانت...

 

وفي فن الراي،  يبدأ الاسم الفني للمطرب ب"الشاب" أو "الشابة": الشاب كمال، الشاب بلال...

 

وفي فن الراب أو الهيب هوب،  يتخد الإسم  منحى عولمي ويكتب أو يقرأ باللغة الإنجليزية : BIGG, MOBBY DICK, H-KAYN...

 

وفي فن الشعبي المغربي،  يطغى على الاسم الفني للمطرب الانتماء الجغرافي فيقترن الإسم الفردي بمدينة مسقط رأسه: بوشعيب اليبضاوي، فريد القنيطري، محمد المراكشي...

 

وفي فن الملحون،  يبدأ الاسم الفني للمنشد ب"الحاج": الحاج أحمد الغرابلي، الحاج التهامي التولالي، الحاج أحمد العروشي...

 

 

الاسم الفني في الأغنية المغربية، كما يظهر من خلال الخريطة الموسيقية أعلاه، يخضع لسلطة النوع الموسيقي. لكن المجموعات الشعبية التي رأت النور في السبعينيات من القرن العشرين ساهمت إلى حد كبير في تغيير المعادلة إذ أخذت من كل الفنون مقاماتها وأدواتها الموسيقية وبذلك تحررت المجموعات الغنائية من سلطها جميعا ولم تعد أسيرة أي نوع موسيقي. هكذا ظهرت مجموعات ناس الغيوان والمشاهب وإيزنزارن وجيل جيلالة والسهام...

 

ج)- الاسم الفني أكثر شيوعا لدى المطربات منه لدى المطربين:

 

الاسم الفني أداة لإخفاء الهوية الحقيقية مع الإبقاء على صلاحية توقيع وامتلاك عمل فني بعينه. ومادام الهدف اللاشعوري من اللجوء إلى الاسم الفني هو فصل الاسم الحقيقي عن الاسم الفني خوفا من المغامرة بكل الشخصية أمام الجمهور مراهنا بجزء من شخصيته فقط، فإن الاسم الفني يكاد يكون خاصية أنثوية بامتياز. فبينما يتقدم اغلب المطربين الذكور بأسمائهم الحقيقية، تتقدم أغلب المطربات بأسماء فنية: فاطيما، طروب، لطيفة التونسية، أسمهان، فيروز، سميرة سعيد(بدل سميرة بنسعيد)...

 

IІ)- خاصيات الاسم الفني في الأغنية العربية:

 

يتميز الاسم الفني العربي بالخاصيات التالية:

 

*الحضور الطاغي للمحسوس: وهو ما يؤكد المرحلة الطفولية التي لا زال يبرحها الاسم الفني العربي في مقابل الحضور الواضح للتجريد للاسم الفني في الأغنية الغربية.

*الحضور الواضح للانضباط اللغوي والإملائي في الاسم الفني في مقابل تجريب الاسم الفني في الغرب للخطأ النحوي أو الإملائي أو المعرفي أو غيره من الأخطاء تكريسا للحق في الخطأ والحق في الاختلاف...

 

مثل كل الأشكال الثقافية العربية، للاسم الفني العربي سقف يصعب اختراقه. شانه في ذلك شأن السينيما والمسرح والرواية وغيرها... فالانضباط للسلط اللا محدودة في الحياة اليومية هو نفسه يتكرر في الحياة الفنية التي من المفترض أن تكون أداة تحررية!

 

III)- خاصيات الاسم الفني في الأغنية الغربية:

 

الأسماء الشائعة في بداية الاسم الفني عند الغرب بعد ثورة موسيقى وثقافة  الروك أند رول كانت تخضع لنفس المعايير التي مر منها الاسم الفني العربي في المرحلة الكلاسيكية. ولعل أهمها الانضباط للقواعد اللغوية لكن مع ميل واضح لمعجم ثوري جديد:

 

THE BEATLES

الخنافس

THE ROLLING STONES

الصخور المتدحرجة

THE DOORS

الأبواب

 

ثم بدأ الوعي بقيمة الاسم الفني ينمو فتطورت أشكال صياغته حتى أضحى الاسم الفني مفتاحا لفلسفة الغناء لدى حامله. ومن بين القواعد اللانهائية المنظمة للاسم الفني الغربي بعد ثورة الروك اند رول ، يمكن رصد القواعد التالية التي تظهر بجلاء تمردا واضحا على المعنى وخروجا بينا على المألوف: 

 التسمية بالعناوين:

 

THE PRESIDENTS OF THE UNITED STATES

رؤساء الولايات المتحدة الامريكية

QUEENS OF THE STONE AGE

ملكات العصر الحجري

EARTH, WIND AND FIRE

الأرض والريح والنار

COLD PLAY

لعبة باردة

NOTORIOUS  B.I.G

السمين المشهور

O-TOWN

مدينة الأصفار

MR BIG

السيد سمين

MEN WITHOUT HATS

رجال بدون قبعات

LONDON AFTER MIDNIGHT

لندن بعد منتصف الليل

MEN AT WORK

رجال في العمل

ALL ABOUT EVE

كل شيء حول حواء

DEEP PURPLE

بنفسجي غامق

 

التسمية بالنعوت:

BORN AGAINST

ثائر بالفطرة

FAITHLESS

متردد

EN VOGUE

رائج

 

التسمية بالإسم الشرقي:

RIHANA

ريحانة

ALEEYAH

علياء

SHAKIRA

شاكرة

 

التسمية بنعوت الإقصاء والتهميش والنبذ:

DAMNED

الملاعين

ZEBRAHEAD

رأس الحمار (الوحشي)

THE RASCALS

الأوباش

OUTKAST

المنبوذون

 

التسمية بأسماء خاطئة إملائيا:

U2

أنت كذلك

INXS  (IN EXCESS)

بإفراط

BOYZ N GIRLZ UNITED

معا، أولادا وبناتا

2PAC

توباك

 

التسمية بأفعال الأمر:

PLAY

العب

RECOIL

تراجع

 

التسمية المتناقضة داخليا:

VERTICAL HORIZON

الأفق العمودي

FATBOY SLIM

الضعيف السمين

 

التسمية بالجمل المفيدة:

FRANKY GOES TO HOLLYWOOD

فرانكي يتوجه إلى هوليود

DEAD CAN DANCE

الموتى يجيدون الرقص كذلك

 

التسمية بأشباه الجمل:

WHEN IN ROME

في روما

DEAD OR ALIVE

حيا او ميتا

PLUS ONE

زائد واحد

FACE TO FACE

وجها لوجه

FAR

بعيدا

 

التسمية بضمائر الغائب:

HIM

هو

 

التسمية برموز غير مفهومة أو معروفة:

AC/DC

 

LEVEL 42

UB 40

 

 

VІ)- تركيب:

 

لأن مبدع الأغنية (=الملحن) والموزع والشاعر يبقيان خاج خشبة العرض وبعيدا عن المايكروفون، فقد كان طبيعيا أن يلجا المطرب إلى استعمال الإسم الفني وهو يواجه لوحده الأضواء والجمهور وإكراهات العرض المباشر... لكن تحت أي شعار؟ وبأي مقياس؟ ولأي هدف؟...

 

باستثناء الثورتين، الأولى التي قام بها مطربو "الراي" الجزائريين ضدا على أستاذية شيوخ الغناء الكلاسيكي الملتزم (الشيخ العنقا، الشيخ إمام...) فأعلنوا أنفسهم شبابا باعثين لموسيقى شعبية  من تحت الرماد فكان الشاب مامي والشاب حسني والشاب خالد... والثورة الثانية التي قامت بها المجموعات المغربية في السبعينيات من القرن الماضي، يصعب ذكر حالات مشابهة على طول الخريطة العربية. ذلك أن  الوعي بالقيمة الرمزية للاسم الفني تفصح عن وجود فلسفة  غنائية تؤطر المطرب أو المجموعة الغنائية وتميزها. وهذا ما يضيع منا بضياع الوعي بأهمية الاسم الفني.

 

 

 

الفهرس

 

مقدمة

المبدع الحر والمشروع الغدوي

الأغنية العربية المؤجلة، النص الغنائي العربي في رحلة البحث عن الذات

التعبير الغنائي، من استظهار النص إلى التوحد به

الوظيفة التعبيرية للأغنية، نحو تحرير شامل للجسد المغني

الموقف من الوجود في الأغنية العربية

نحو أغنية عربية تعددية

أزمة الأغنية العربية من ازمة الشعر العربي

"الحب العليل" في الأغنية العربية

الأغنية المصورة :الكائن والممكن

محنة الإسم الفني في الوسط الغنائي بين اللاهوية واللاإبداع

نحو تجديد الكلمة والنغمة في الأغنية العربية: من الأغنية الملتزمة إلى الأغنية المتزنة

خاتمة

ملحق صورالمبدعين والمطربين

 

الكتاب الرابع

الكتاب الثالث

الكتاب الثاني

الكتاب الأول

النشيد الوطني العربي: الثابت والمتحول

الموسيقى الصوفية: موسيقى الخلاص

قراءات في موسيقى البوب العالمية

رهانات الأغنية العربية المعاصرة

 

 

خريطة الموقع

 

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

 روايات

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

رهانات الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

مجاميع قصصية على الخط

الألبوم المفتوحُ

تقديم أعمال الأصدقاء

مجاميع قصصية مشتركة

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

 ALL RIGHTS RESERVED

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

 

<<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-song-chapter10.htm</title>

<meta name="description" content=" دراسات في الأغنية لمحمد سعيد الريحاني ">

<meta name="keywords" content="موسيقى، غناء، توزيع، لحن، نغم، طرب، أغنية

  ">