ريحانيات

  

 

قراءات نقدية لأعمال محمد سعيد الريحاني

 

القصة القصيرة جدا عند محمد سعيد الريحاني:

 بعض الخصائص النوعية

 

قراءة نقدية بقلم الناقد المغربي  د. محمد معتصم

 

 

عرفت القصة القصيرة المغربية مع بداية الألفية الثالثة نهضة تمثلت في التفاف القاصات والقاصين حولها لاتخاذها وسيلة تعبير سردي وفني عن طموحات جيل جديد وجد خلفه تراكما نوعيا ورؤية فكرية وجمالية تشكلت في غيابه. لقد وجد هذا "الجيل" أمامه تصورات ومقولات نقدية باتت مسلمات قارة وثابتة. ومن طبيعة "الجيل الأدبي"، أي جيل وعلى مرِّ العصور، الطموح نحو المختلف والمغايرة، والسعي وراء المغامرة الفنية والإبداعية والأدبية بغاية تجاوز الثوابت والحواجز والمعيقات خاصة الفكرية منها، فأنشأ قصته، تحكي مغامرته الفنية، وتعرض على المتلقين تقنياته وتصوراته الفكرية والجمالية والكتابية، كتب هذا "الجيل" قصة تروي صراعه مع الثوابت والتمثل "الصنم" الذي يرى في كل تجديد محاولة للهدم لا محاولة بناء وإعلاء لصرح بدأ منذ عصور خلت.

 

القصة القصيرة إذن، اختيار "إيديولوجي" فني وجمالي يعبر عن طموح "جيل" مغربي من الكاتبات والكتاب، ومن الناقدات والنقاد عبره يقولون أفكارهم، وينقلون قضاياهم ومشاكلهم الخاصة والعامة، المشاكل التي جدت مع بداية الألفية الثالثة ومع نهاية القرن العشرين، والقصة القصيرة في حجمها، وانطلاقا من هذا المنظور، تتجاوز عند الكثير من الكتاب، "المناضلين" الغيورين على هذا النوع الأدبي، مجرد كونها نوعا أدبيا إلى كونها ساحة "معركة" أدبية وإبداعية لإثبات روح التجديد والمغايرة والاختلاف، وبالتالي غدت واجهة للصراع بين التصورات، بل يدعي بعض الغيورين والمتحمسين لهذا النوع أنها النوع الفني الأنسب للمرحلة، وأنها الأقرب إلى الشعر، وأنها اللبنة الأساس لكل رواية، بل إن الرواية ليست في النهاية سوى مجموعة من القصص القصيرة المتراصة بطرائق مختلفة.

 

إن القصة القصيرة جدا، من خلال ما يكتبه محمد سعيد الريحاني، خطاب سردي ووصفي قصير متفاوت الحجم، يقوم على حدث فجائي ومحدود الامتداد، لكنه واسع الأبعاد التأويلية التي تعدد المعنى في ذهن المتلقي. كما أنها خطاب يقوم على سلسلة من الأحداث المكثفة والسريعة، وهي خطاب سرد ووصف يعتمد على الإحالة المرجعية خارج النص. وأهم ما يميزها عند محمد سعيد الريحاني كوننها خطاب ذو معنى وقصد وهدف، يبتعد كثيرا بهذا عن حافة السقوط في إعادة المحكيات الصغيرة والصغرى، أي إعادة بنية المَثَل، أو بنية النكتة، أو بنية "الحدوثة" كمحكي شفهي مختلف تماما في وظائفه الفنية والجمالية، أو في وظائفه الاجتماعية للأدب، ويبتعد عن إعادة إنتاج سردا بنية المقطع الشعري واللوحة الشعرية أو البيت الشعري العربي الشديد التكثيف والإيحاء والإحالة سواء الخارج نصية أو النصية المحايثة.

 

القصة القصيرة جدا بدت في كثير من قصص هاته المجموعة، باستثناء القصص القصيرة جدا جدا في ذيل المجموعة بعيدةً عن اللعب اللغوي والأسلوبي، وأنها جادة في اختيار موضوع واحدٍ، وهو بالمناسبة الخيط الرابط بين كل قصص المجموعة. إذن، هي مجموعة قصصية اختارت الكتابة عن موضوعة "طبائع الإنسان في صراعه المرير مع الحاجة إلى التحرر من القيود والتخلص من نير الاستعباد الذي يثقل كاهله، وفي صراعه المضني من أجل التحكم في رغباته الحيوانية والمادية البسيطة، تلك التي تشده إلى الأسفل، إلى الأرضي وتعيق انطلاقه نحو فضاء الإنساني والمطلق".

 

القصة القصيرة جدا عند محمد سعيد الريحاني في هاته المجموعة تجد قوتها في "تشخيص" حالة التناقض وحالة الصراع داخل الإنسان، وعبر ذلك تكشف عن اختلاف الطبائع، اختلاف الإنسان الحر عن الإنسان العبد: الإنسان الحر المقدام الذي يخوض الجحيم من أجل نشر قيم نبيلة، والإنسان العبد الذليل المستكين الذي لا يرى أبعد من اللحظة. القصة القصيرة جدا عند محمد سعيد الريحاني تسابق الزمن لتحكي ما يجري على أرض الواقع من حالات انتفاض ومن ثورات، وهي في الوقت ذاته تحاول أن تقول للقارئ أن القصة القصيرة جدا قادرةٌ على احتواء كل ذلك الخضم البشري، وكل تلك الدماء، كما هي قادرة على النفاذ إلى أعماق النفس البشرية لتكشف تناقض الإنسان.

 

اللغة السردية في القصص القصيرة جدا عند محمد سعيد الريحاني تتخذ ملمحين مختلفين. الملمح الأول جاءت فيه اللغة إخبارية وقريبة جدا من لغة "الخبر" (Un fait divers) الذي يحرص على نقل "حدث" مثير، لكن السرد فيه محدود "جدا" نظرا لغياب المفاهيم الأساسية الآتية: الترابط والتنامي والتسلسل. أما الملمح الثاني فأتت فيه اللغة مجازية واستعارية موحية، والمساحة السردية فيه أوسع فاكتمل فيها "السرد" في ترابط متوالياته، وفي تنامي أحداثه بطرائق ومستويات مختلفة ومتنوعة: التوازي السردي، الترادف السردي المتواتر والمتسلسل، والطفرة أو الحل الفجائي الذي يفصح عن قصدية السارد القاص، ويضع حدا لتداعي التأويل والتوقع. إن طغيان ملمح السرد القصصي بلغته المجازية والاستعارية كان الرهان الجمالي الذي قامت عليه قصص محمد سعيد الريحاني القصيرة جدا حتى تحافظ على نوعها الفني، لأن المكون الأساس - في نظري- الذي لا يخرج القصة القصيرة جدا من نوعها إلى نوع تعبيري آخر مختلف هو السرد، أما باقي المكونات فيمكنها أن تظهر أو تختفي بمقدار وبحسب قصد القاص - أو وظيفة النص القصصي-  الاجتماعي أو الجمالي.

 

تعد البداية مهمة في كتابة النصوص القصصية الطويلة، لأنها تتضمن العديد من المؤشرات والمحفزات التي يقدمها السارد مجتمعة أو متفرقة لتصير منطلقات لمحكيات صغيرة أو صغرى، ولا تهتم السرود المطولة بالنهاية، والعكس يحدث في السرود القصيرة وخاصة القصة القصيرة جدا، إذ يتم التركيز على النهاية: الحل الفجائي، السقطة (La chute) التي تكون صادمة لكل توقع، كما أنها ملمح يبرز أهمية الزمن السردي في بنية السرد القصصي القصير، وتغاير "السقطة" مفهوم "التكثيف" أو مفهوم "الحذف" أو مفهوم "الاختصار" والاختزال، و"القفلة" التي تفصح عن القصد وتوقف السرد والتأويل في آن، أساس بنية السرد الطويل:"ماذا سيحدث؟" سؤال التوقع، وسؤال التوالد السردي، وسؤال الإخبار والأجوبة اللانهائية. وبنية السرد القصير أو السرد القصير جدا لا تحتمل كل تلك الأجوبة.

 

القصة القصيرة جدا فرس رهان التجديد وحامل لقيم المرحلة كما شاء لها كتابها، لكن هل القصة القصيرة جدا جنس جديد أو نوع جديد؟ إنها تدخل ضمن "النمط" السردي وهو نوع أصغر متفرع عن النوع الأكبر المتفرع بدوره عن جنس القصة (السرد). لذلك، فالقصة القصيرة جدا تحتاج من النقاد والدارسين المهتمين بالسرد عامة والسرد القصير والقصير جدا خاصة التوسع في البحث في بنية القصة القصيرة جدا لاستخلاص مزيد من الخصائص النوعية والمميزة لهذا "النمط" السردي، والابتعاد عن الأسئلة غير النوعية "الجوهرية" التي تقود نحو أجوبة وهمية ومضللة، وفي قصص محمد سعيد الريحاني نماذج تصلح للدراسة المعمقة ومقارنتها بما يكتبه وينشره قاصات وقاصون مغاربة وغير مغاربة من نصوص لافتة.

 

 

 

 

 

قراءات نقدية لأعمال محمد سعيد الريحاني

 

حميد ركاطة 2

حميد ركاطة 1

محمد البوزيدي 2

محمد البوزيدي 1

عبد الحميد الغرباوي

محمد معتصم

مصطفى لغتيري

التيجاني بولعوالي

 

خليفة ببا هواري

محمد يوب

 

 

 

الرجوع إلى القائمة

 

تقديم باكورة أعمال الأصدقاء

قراءات في أعمال محمد سعيد الريحاني

تكريم الصديقات والأصدقاء من أسرة الأدب

تكريم محمد سعيد الريحاني

 

 

 

 

خريطة الموقع

 

الحاءات الثلاث، الجزء 3

الحاءات الثلاث، الجزء 2

الحاءات الثلاث، الجزء 1

مَقَالاتُ متخصصةُ

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

شَهَادَاتُ فِي الإبْدَاعِ وَالتّلَقي

درَاسَاتُ سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

الموسيقى الصوفية: موسيقى الخلاص

ناس الغيوان

رهانات الأغنية العربية

روايات

مجاميع قصصية على الخط

مجاميع قصصية مشتركة

يوميات

بَيَانَاتُ وَمَوَاقِفٌ

مترجمات ْ

الريحانيات على الويب

روابط ثقافية

أخبار الرّيْحَانِيات

الألبوم المفتوحُ

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

 

 e-mail : saidraihani@hotmail.com

   <title>http://raihani.free.fr/arabicversion-reviews-text1.htm</title>

<meta name="description" content=" قراءات نقدية لأعمال محمد سعيد الريحاني

<meta name="keywords" content=" متابعات نقدية، قراءات نقدية، قراءة عاشقة  ">