رَيْحَانِيَاتٌ |
||
|
|
|
|
|
|
|
|
"لا للعنف"
مجموعة
قصصية
الخروج من الجنة
"أفليست العامة من يسود في
هذا الزمان؟ وهي مع ذلك لا تميز بين العظيم والحقير والطريق السوي والمسلك الملتوي، فالعامة متقلبة
كاذبة دون أن تشعر بجريمة كذبها".
فريديريك نيتشه،
"هكذا تكلم زرادشت"
(الترجمة العربية) ص.317
- أستاذ!...
التفت إليَّ أحد المعلمين الجالسين بجانبي وسط ساحة هذه المدرسة العتيقة.
سألـتـه :
- أنا ابحث عن معلم
القسم الأول؟
- هو اليوم مكلف بالحراسة ...
قـلـت :
- أريد مقابلته .
أخرجت من جيبي الاستدعاء الذي توصلت به عن طريق البريد وعرضته عليه.
ألقى المعلم نظرة سريعة على الاستدعاء ثم قال :
- الأمر
يتعلق بتهاون ابنك.
- إنما،
أستاذ، الحل بين أيديكم...
ظل المعلم ينظر إلي بارتياب.
قلت بالتوكيد اللازم:
-
العصا.
ثم بحماس :
- العصا
هي الخلاص : "العصا خرجت من الجنة"...
ضاعف المعلم تجاعيد جبهته وحملق في بعدوانية واضحة :
- هل
سبق لك أن درست؟
لم أجبه. ولذلك استطرد بثقة زائدة :
- هي، يا سيدي، ليست
آية أو حديثا
كما تخيلت : "العصا خرجت
من الجنة". ففي جميع الكتب السماوية لم ترد "العصا" إلا
في قصص موسى عليه السلام. وهو لم يستخدمها أبدا ضد من عصاه من البشر. لقد شغلها
مرتين: أمام جبروت السحرة ثم أمام صمم البحر.
قالها ثم استدار جهة جليسه...
هل المعلم يخالفني الرأي فعلا؟ أم هو يعاتبني لعدم تحيته بما يليق بمقامه
كمعلم درَّسني في أولى سنواتي بهذه المدرسة؟...
كان نعم المعلم. لا يقبل التسامح مع المتهاونين في إنجاز الواجبات
المنزلية. لذلك، كان يصففنا أمام السبورة ويوزع على أكفنا بالتساوي والعدل
اللازمين، ضربات موجعة بقضيب يتفنن المجتهدون من التلاميذ في شحذه وتلميعه كي
يتسلوا بعويلنا بين الحصة والحصة. لكن النتيجة تكون سريعة : فالمرة الموالية،
يرتقي الجميع إلى مستوى المسؤولية. لذلك كان هذا المعلم نفسه يبتسم برضى وسرور وهو
يبتعد نحو نافذة القسم الخلفية ليهمهم الحكمة التي فطرنا عليها جميعا :
"العصا خرجت من الجنة".
المعلـمان بجانبي كان مندمجين في حديثهـما قبل أن أوقف انسجامهـما:
- أنا تلميذ سابق
عندكم في ذلك القسم ، الطاولة الثالثة، جهة النافذة. أنا فقط ظننت من باب التحية
والتقدير تذكيركم بفعالية الحكمة التي كنتم ترددون :
"العصا خرجت من الجنة "...
تعجب الاثنان معا :
- حكمة ! ...
هما يتعجبان ! ...
إن المؤسسة بإدارتها وموظفيها وساحتها وضجيجها... وكل شيء لا زال كما كان
منذ الأزل. لكن الأمور على ما يبدو قد تغـيرت…
طأطأت رأسي محاولا التركيز على الفضاء بين قدمي :
تجاعيد الرمل ترسم وجها آدميا كوجه والدي حين يختار ملامح الجدية لمصادرة
قلق طفولتنا:
- أنظر،
أبي، إلى هذه الصورة على الجريدة...
-
امممممم! ...
- البوليس يضربون الناس بالعصي...
- ولكن،
يابني، ألا ترى في الصورة السابقة لها أن الناس هي البادية بالاحتجاج والفوضى في
الشارع ؟…
-
والفوضى في البيت ؟
- في البيت، يا بني، ليس هناك بوليس. الأب هو الذي يفرض النظام ويحافظ عليه…
-وأنت،
يا أبي ؟
- أنا، يا بني، إن عاقبتكم فلكي تصبحوا شرفاء مثلي ومثل أجدادكم، ف" العصا
خرجت من الجنة".
صحت حتى فُزِع المعلمان بجانبي :
- أرجوكما...
التفتا إلي .
- ما
الذي خرج من الجنة ؟…
حدقا في طويلا ثم قال أحدهما ساخرا :
- آدم
وحواء وثالثهما .
وجدت نفسي أصيح على طريقة أرشميدس :
- عصا ! عصا ! ثالثهما عصا
...
ثم بانتصار :
- ألم
أقل لكما أن "العصا خرجت من الجنة"...
السخرية على ثغر الرجل تستحيل ابتسامة جميلة وهو يقول :
- نحن
نسمي الثالث "شيطانا".
ثم نهضا لاستقبال أفواج التلاميذ وتنظيم الصفوف استعدادا للدخول للأقسام.
وحدي الآن على الكرسي في الساحة الخالية من كل شيء. وحـدي وبدون مبرر
لقدومي: ماذا سيقول لي معلم ابني ؟ وماذا سأقـول لـه ؟ لقد اهتزت معتقداتي،
مرجعياتي ...
لا أجد أفقا أشغل به بصري.
بين قدمي، صورة الشيطان تتراقص على تجاعيد الرمل.
الشيطان ينتحل صورة أبي وهو يضربنا بجنون حتى يفقد توازنه فيتكور أرضا مغمى
عليه بانتظار أن نشمم له شرائح البصل. حتى إذا صـحا، زحفنا إليه على بطوننا وقبلنا
ظاهر يده ليهمهم من أعـماق غيبوبتـه :
"العصا خرجت من الجنة "
الآن، أمسح المشهد على الرمل بقدمي. أمحق المشهد بأسفل
حذائي. أمحقه ولا أنتبه إلا وقد غاصت قدماي في الرمل وتغطت به.
سنة 1995
حول الفنان زكرياء التمالح هذا
النص القصصي إلى قصة مصورة صادرة ضمن المجموعة القصصية المصورة المشتركة "إغراء
الاعالي" الصادرة سنة 2017 بدعم من وزارة الثقافة. انقر
أرقام الصفحات واقرأ النص:
العودة إلى مواد المجموعة القصصية
لا للعنف
ضد الطفل:
لا للعنف
ضد المرأة:
لا للعنف
ضد الحيوان:
لا للعنف
ضد السؤال :
لا للعنف ضد الاختلاف:
لا للعنف:
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory4-index.htm</title>
<meta name="description"
content="أعمال محمد سعيد الريحاني
القصصية، لا للعنف، ضد المرأة، ضد الطفل، ضد الاختلاف، writing">
<meta
name="keywords" content=" نصوص قصصية- كتابات سردية- سرد- مجموعة قصصية">