|
رَيْحَانِيَاتٌ |
||
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
"وَرَاءَ كُلِّ عَظِيمٍ أَقْزَامٌ"
مجموعة قصصية
إنِّي خَيّرْتُكُمْ، فَاخْتَارُوا!
"كلما زاد المستبد ظلما واعتسافا، زاد خوفه
من رعيته وحاشيته وحتى من هواجسه وخيالاته. وأكثر ما تختم حياة المستبد
بالجنون التام."
عبد الرحمان الكواكبي
"طبائع الاستبداد ومصارع
الاستعباد"
دار الشرق العربي، الطبعة الخامسة، 2003، ص: 50
في عز صراع العظيم مع المعارضة السياسية لنظامه، لجأ إلى
حيلة مبتكرة لمحاصرة خصومه. فقد سلط إعلامه على حدث
الفضيحة الأخلاقية التي هزت عاصمة خصومه وما واكب الحدث من نفاذ الصحف والمظاهرات
واللطيف والتضرع إلى الله...
بعد شهرين، تم
إكمال اللمسات الأخيرة للفضيحة الموالية التي أشعلت من جديد فتيل التظاهرات
واللطيف والباقي...
بعد ثلاثة أشهر، كان دور الدفعة الثالثة من الفضائح بعاصمة
المعارضة السياسية...
بعد التعب من التظاهرات
والتضرع إلى الله وسماع الألقاب والنكت المهينة من كل الأفواه والأبواق والإحساس
بالخجل من الانتماء للمدينة، قرر الأهالي محاورة السلطة للوقوف على الأسباب قصد
معالجتها:
- لماذا يحدث لنا هذا؟!...
- لأنكم تدعمون الشيطان، فقد حلت بكم اللعنة!...
- ومن هو الشيطان الذي ندعمه؟!...
- هو تجمع الأحزاب الحمراء.
- وما العمل لرفع اللعنة عنا؟!...
- اعزلوا الأحزاب الحمراء، فكل عقاب يحل بهم هو رحمة تنزل عليكم. اعزلوهم ولا تتأخروا في
الرد حتى يكون دعاؤكم مستجابا!...
لكن الرد تأخر فكان لا
بد من شعار جديد يضاعف المسافة الفاصلة مع المتخاذلين: "الجواز حق لجميع الإناث". فحيثما وليت وجهك، كانت التعبئة وسط الإناث بالحق في الجواز
للاقتراب أكثر من فرص السفر والعمل، وبالحق في الهجرة إلى حيث الطلب على الإناث
أكبر، وبالحق في كراء الجسد لمن يدفع أكثر...
ولأن أغلب النساء كن بلا
شغل، فقد صُكّتْ لهم مِهَنٌ على عجل. فمنهن من خُتِمَتْ على جوازهن مهنة "المؤنسة" ومنهن "المدلكة"
ومنهن "الحاضنة"...
إلى الخارج، هُجّرت كل نساء
البلاد نحو كل بلدان العالم.
وفي الداخل، انفتح
الذكور على بعضهم البعض، فعمَّ "اللواط" وبدأ معه الجيل الثاني
من الشعارات: "الجواز حق لجميع الذكور". فحيثما
وليت وجهك، كانت التعبئة وسط الذكور بالحق في الجواز للاقتراب أكثر من فرص السفر
والعمل، وبالحق في الهجرة إلى حيث الطلب على الذكور أكبر، وبالحق في كراء الجسد
لمن يدفع أكثر...
ولأن أغلب الذكور كانوا
بلا شغل، فقد صُكّتْ لهم مِهَنٌ على عجل. فكان منهم "الراقص"و"النديم"
و"الساقي" و"المؤنس"...
بعد دفعة "المؤنسات"
و"المؤنسين"، جاء دور الدفعة الثالثة
من المُهَجّرين، دفعة "الدليل الاجتماعي"، ودوره التدليل على أماكن
"المؤنسات" و"المؤنسين" والتعريف باختصاصاتهم
والإغراء بعدم غلاء أجورهم...
بعد تهجير "الإناث" و "الذكور"
وإغراق أسواق العالم بالرقيق الأبيض والأسود وفتور تجارة اللحم الآدمي وتراجع
التحويلات من عائداته، جاء دور البحث عن توابل لتحريك شهية الطلب العالمي من
جديد...
هكذا، بدأ طبع جوازات
السفر للدفعة الثالثة من سفراء البلاد: المتحولون جنسيا والمخنثون. وقد صُكّتْ لهم مهنة عجيبة تليق بعجائبيتهم:
"تُحْفَة". وهي مهنة تحيل على المتحف
إذ ستعمل هذه "التحف الآدمية" في القنصليات والسفارات التابعة
لوزارة الخارجية وأن يؤدي زبناؤها ثمن زيارة "المتاحف
الوطنية" في القنصلية قبل أن يختار "تحفة" ويصحبها معه
إلى بيته...
بعد تهجير النساء والشواذ والمتحولين والمخنثين حيث لم
يبق في البلد غير العسكر والشرطة والاستخبارات والجمارك والقوات المساعدة ورجال
السياسة والمثقفين والسياسيين، تفرغ العظيم للمثقفين وللمعارضة السياسية ينكل بهم
تنكيلا...
آنذاك، طار من له أجنحة
وفر من له سيقان طويلة وزحف من به عاهة وفارق الحياة
بالسكتة القلبية من كان ينتظر السبب للقاء ربه...
خارج البلاد، وجد الهاربون أنفسهم محاصرين في بلدان
الناس بنظرة ازدراء تنسبهم إلى بلاد الفساد والفاسدات والفاسدين: فيتحرش بهم اللواطيون، وبزوجاتهم زيرو النساء،
وبذلك لا يتوقف الطرق على بابهم ليل نهار...
طال الغياب وطال معه
المنفى وضاقت الدنيا ونفذ الصبر فعادت جحافل المنبوذين إلى أرض الوطن حيث
استقبلتهم الصحافة في المطار مستعجلين ندوة صحفية:
- "ضاق بنا الحال في الخارج. لا
نجد حتى مع من نتواصل من أبناء البلد من المهجرين فكلهم مومسات
أو شواذ أو قوادون ممن لفظهم الوطن إلى البحر وما وراء البحر. يئسنا من الغربة
ويئسنا من التيه"...
وبعد الندوة، كانت كلمة العظيم تنتظر العائدين إلى الوطن في حفل استقبالهم بباب قصره:
"أخيرا،
جئتم!...
استنفذتم كل
ما جهدكم من قوة ومكر وعنادة!...
انطقوا، أيها
الكلاب!...
جئتم لتلعقوا الحذاء!...
تكلموا، أيها
اللقطاء!...
أليست أرض
الله واسعة؟!...
لماذا، إذن، عدتم إلى أرضي؟!...
كنت دائما أقول لكم: من أراد الله فليذهب إلى أرضه ومن أرادني
فليبق على أرضي. أليس كذلك؟!...
واليوم، هل جئتم لتعلنوا توبتكم أم تراكم جئتم
لمنازلتي مرة ثانية؟!...
إذا كانت نيتكم ما دون التوبة ،
فسأقطعكم أشلاء لأتعشى بكم كما فعل أسلافي من آلهة دول أخرى. أما
إذا كانت نيتكم التوبة الصريحة والواضحة، فاعلموا أنني غفور رحيم ولكنني شديد
البأس والبطش بالمنافقين!...
واعلموا، أيها التائبون، أن باب التوبة يمر عبر
تقدمكم إليَّ زاحفين على بطونكم للعق حذائي فردة فردة...
ولسوف أنتهز هذه الفرصة لأحذركم من
عواقب ترك أثر للعابكم على جلد حذائي. إن أشدّ ما أكره
المنافقون الذين يلعقون الأحذية وهم يبصقون عليها!...
أرأيتم سعة خبرتي بالمنافقين؟!...
فباسمي الأعظم، لأن فعل أحدكم ذلك، لأعلقنه من
دبره على قوس النصر في مدخل المدينة!...
مفهوم؟...
إذن، تقدموا والعقوا"!...
12 نونبر
2007
العودة إلى مواد المجموعة القصصية
إِنِّي خَيّرْتُكُمْ، فَاخْتَارُوا!
"عَبْزْفْ"، القِرْدُ الهَجَّاءُ
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory2-index.htm</title>
<meta
name="description" content="أعمال محمد سعيد
الريحاني القصصية، حذاء خاص بوجوه العظماء، أبو القاسم الطنبوري، نوادر العرب،
الطاغية، قزم، وراء كل رجل عظيم أقزام writing">
<meta name="keywords" content=" نصوص
قصصية- كتابات سردية- سرد-
مجموعة
قصصية">