|
رَيْحَانِيَاتٌ |
||
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
"وَرَاءَ كُلِّ عَظِيمٍ أَقْزَامٌ"
مجموعة قصصية
تصفيقات
"الاستبداد يسلب الراحة الفكرية فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء،
فتمرض العقول ويختل الشعور على درجات متفاوتة في الناس..."
عبد الرحمان الكواكبي
"طبائع الاستبداد ومصارع
الاستعباد"
دار الشرق العربي، الطبعة الخامسة، 2003، ص: 86
داخل القاعة المحتشدة،
رفعت المنصة أقصى ما يمكن رفعه بوضع منبرٍ فوق منبرٍ فوق منبرٍ...
ارتفاع المنصة جعل كراسي الحضور
تبدو كأحجار رست بعد طول تَدَحْرُجٍ إلى قعر الوادي...
الحضور على الكراسي في قصر
القاعة تبدو لمن يقف عند المنبر الأعلى كالسلاحف يزحفون...
سكوت الحاضرين الراسين
على الكراسي في قعر القاعة يبدو لمن يقف عند المنبر الأعلى انبهارا بجلال حضوره
وعظمة تكوينه وعلو شأنه...
على أرضية القاعة، وقف رجل
بلباس رسمي يولي ظهره للمنابر المتصاعدة نحو السماء ويقابل الجمهور بعودين رفيعين
بين إبهاميه وسبابتيه، على طريقة "المايسترو"،
لتسيير الجوقة الكبيرة من الحاضرين بإشارات تفهمها اللجان المنتشرة بين الجمهور
لتوزع بدورها الإشارة الملتقطة من المايسترو إلى عموم الحاضرين...
الحقيقة، أن الجمهور لم يكن
بحاجة إلى لجان شعبية وسيطة بينه وبين "المايسترو" الذي لا يقوم
بأكثر من حركة واحدة تعني "تصفيق" أو "صفقوا لي": حركة
واحدة تتكرر وتتكرر. وربما، لم يكن الجمهور بحاجة إلى
"مايسترو" بتاتا مادام العظيم الذي يخطب من أعلى المنابر ينطق
بكلمة واحدة ثم يصمت كي يسمع التصفيق قبل أن يتلفظ بالكلمة بالموالية:
-"إنني" ...
تصفيق...
- "أنا"
...
تصفيق...
- "ربكم"...
تصفيق..
- "الأعلى"...
تصفيق..
في البداية، كانت تسمع "كلمة"
العظيم متبوعة بتصفيق الجمهور...
ثم بدأت تسمع كلمات العظيم
يطغى عليها تصفيق الأقزام...
ثم فقد التصفيق تقطعه
فلم تعد تسمع كلمات العظيم...
ثم بدا التصفيق وكأنه لا يبدأ ولا ينتهي...
ثم حلت محل كلمات
العظيم ضحكة تائهة هنا في مكان ما بين تصفيق المصفقين...
ثم ضحكة تائهة هناك...
ثم ضحكات صاخبة هنالك...
فقفزت اللجان الشعبية المندسة بين الناس لتكبل "الضاحكين"
من الجمهور وتجرجرهم من مقاعدهم بين صفوف الأقزام من الحضور إلى خارج القاعة التي
لم يتوقف فيها العظيم عن الكلام كما لم يتوقف فيها المايسترو عن إعطاء إشارات
التصفيق ولم تتوقف اللجان الشعبية عن تحميس الحضور
للتصفيق بحرارة من قطع عليه الماء في الحمام العمومي.
في المخفر، سئل المتهمون بالضحك عن
سبب ضحكهم:
- لماذا تضحكون والعظيم
يخطب
- نسينا
أن نضحك في البداية فاستدركنا الأمر في المنتصف.
- ولماذا الضحك؟
- لأننا نصفق.
- وما العلاقة بين
الضحك المتهور والتصفيق على خطاب العظيم؟
- التصفيق
والضحك لا ينفصلان، يا سيدي
الضابط!
08 أكتوبر 2010
العودة إلى مواد المجموعة القصصية
إِنِّي خَيّرْتُكُمْ، فَاخْتَارُوا!
"عَبْزْفْ"، القِرْدُ الهَجَّاءُ
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory2-index.htm</title>
<meta
name="description" content="أعمال محمد سعيد
الريحاني القصصية، حذاء خاص بوجوه العظماء، أبو القاسم الطنبوري، نوادر العرب،
الطاغية، قزم، وراء كل رجل عظيم أقزام writing">
<meta name="keywords" content=" نصوص
قصصية- كتابات سردية- سرد-
مجموعة
قصصية">