|
رَيْحَانِيَاتٌ |
||
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
"وَرَاءَ كُلِّ عَظِيمٍ أَقْزَامٌ"
مجموعة قصصية
"عَبْزْفْ"، اَلْقِرْدُ الهَجَّاءُ
إلى كاتب
مغمور فكّر في تجريب الكتابة في السنة الرابعة التي تسبق
تقاعده وموته. وحين لم تسعفه العبارة، فكر في تجريب مونولوج ينفتح فيه على ذاته
فقابل المِرْآة حيث هالته ذمامة خلقته بوجهه الكالح
وجبهته التي تمتد من فوق حاجبيه مُنزلقة نحو ظهره على متن صلعة
لزجة تصل الوجه بالقفا. وبدل أن يهجو صُورتَهُ، كما فعل سلفه "الحُطيئة"، حَوَّلَ عدائيته وعدوانيته نحو ضمائر الأمم ومشاعل الشعوب، نحو
الفنانين والمثقفين.
في المحطة الطرقية، لم يكن ثمة ما يثير نظر المسافرين بعد العلامات
المحددة لاتجاه الحافلات أكثر من منظر هذا القرد البئيس
الذي يجره من عنقه رجل أكثر بؤسا رغم أريحيته الظاهرة في الجواب على كل أسئلة
الفضوليين:
- إلى أين تجرّ هذا
القرد المسكين، يا رجل؟
- إلى مراكش
حيث سيُعْلَنُ اليوم مساءً عن ميلاد "جمعية اتحاد هجائي جامع الفنا"،
وهي جمعية تضم هجائين من كل الأنواع الحيوانية من بشر
وقرود وغيرهما. وستحظى هذه الجمعية بدعم مالي ومعنوي من
الدولة مباشرة بعد منتصف الليل...
- وكيف عرفت أن قردك
سيقبل كعضو مؤسس في الجمعية قبل وصوله إلى مراكش؟ ماذا لو حدث ما لم يَدُرْ
بخلدك واستقبله الأعضاء المؤسسون بإيماءة واحدة فأحبطوه
كما تُحْبَطُ القنابلُ الموقوتة أو لاقوه بكلمة واحدة فحَنّطوه كما تُحَنَّطُ التماسيحُ والأفاعي؟!...
- إنه
قرد هَجّاء وأنا واثق من قبوله عضوا مؤسسا ونائبا لرئيس الجمعية قبل حتى وصول
الحافلة التي سَتُقِلُّنَا معا!...
- وما مواضيع هجائه؟
- الفنانون
والمثقفون...
- والسياسيون
والطغاة والمستبدون، ألا يدخلون في دائرة سِهامه؟!...
- القرود
لا تفقه في السياسة كيْ تهجو السياسيين فضلا عن كونها تخشى العقاب. السياسيون
شرسون وعَضُّهم لا يبرأ والقرود تعرف هذا. أما المثقفون
والفنانون فلا أنياب لهم. لذلك، كان الهجوم عليهم سهْلا
وآمنا.
- هل يمكنني حضور "بروفة" من "بروفات"
هجائه؟
- بكل
سرور. عليك فقط ألا تتفاجا بقدرة القرد على النطق
بمقطعين لغويين أو أكثر دفعة واحدة...
تملكت السعادة ربّ
القرد الذي أخرج من قرْبَتِهِ السّوط قبل أن يفك وثاق القرد، راسما بضربات سوطه
على الأرض حدودا لتحركات القرد في عروضه.
مسح ربُّ القرد شعره
ثم جذبه بقوةإلى الخلف حتى تمططت
جبهته وطالت صلعته فصاح القرد:
- "السوبرمان"!
ثم وضع ربُّ القرد
إبهاميه وسبابتيه حول عينيه راسما دائرتين فصاح القرد:
- "الكناوي"!
قاطع الرجلُ السائلُ
سيولة العرض القِرْدِي، موجها السؤال للقرد الممثل مباشرة:
- أفهم
أن هذه ألقاب تطلقها على فنانين ومثقفين إما صُلْع أو لَهُمْ نظارات. لكن، أنت،
أيها القرد الهجّاء، بهذه الصّلعة المُنْفِرَةِ وهذا
الوجه الذميم، ما اسمك؟
- أنا "عَبْزْفْ"!
استدار الرجل نحو ربِّ القرد، مستفسراً:
- هل هذا هو اسمه، "عَبْزْفْ"؟!
أومأ ربُّ القرْدِ
بإيجاب استفز السائل الذي بدأ احتجاجه على تسمية حيوان باسم مُهين:
- هذا إجحاف في حق
القُرُودِ والقِرَدَةِ. أليس من حق القرْد أن يستفيد من اسم مقبول، على الأقل
كأسماء الكلاب: بوبي، ديك، دوغي؟ أنا، شخصيا، أشعر
بالاشمئزاز من هذا الاسم!...
- كيف تشعر
بالاشمئزاز من "عَبْزْفْ" كاسم مرشح
لنيل جوائز هذا الأسبوع؟
- الجوائز على ماذا؟ على هجاء الفنانين والمثقفين؟!...
تأفف الرجل الذي بدا
نادما على اليوم الذي لاقى فيه قردين ينتميان إلى نوعين من الأحياء:
- إذا كانت الجوائز
مُسْتَسْهَلَةً إلى هذه الدرجة، فاليقين الذي بدأ يتشكل أمامي الآن هو أن "عَبْزْفْ" ليس فقط اسم فَرْد أوْ قِرْد وإنما هو
علامة ثقافة جديدة تنخر العظام في صمت وتستشري في الدماء في غفلة من الأحياء الذين
سيجدون أنفسهم ذات صباح قِرَدَةً خاسئين ينتظرون مواضيع للهجاء، وَأكُفّ للتّصفيق،
وَسِياطا لرَسْم الحدود!...
بتاريخ: 21 شتنبر
2011
العودة إلى مواد المجموعة القصصية
إِنِّي خَيّرْتُكُمْ، فَاخْتَارُوا!
"عَبْزْفْ"، القِرْدُ الهَجَّاءُ
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory2-index.htm</title>
<meta
name="description" content="أعمال محمد سعيد
الريحاني القصصية، حذاء خاص بوجوه العظماء، أبو القاسم الطنبوري، نوادر العرب،
الطاغية، قزم، وراء كل رجل عظيم أقزام writing">
<meta name="keywords" content=" نصوص
قصصية- كتابات سردية- سرد-
مجموعة
قصصية">