رَيْحَانِيَاتٌ

 

 

 

 

 

 

 

الحاءات الثلاث

أعمال مشتركة

المدرسة الحائية

مجاميع قصصية

لقاءات مع مبدعين

روايات

 لقاءات مع الريحاني

بَيَانَاتُ أدبية

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

تكريم الأصدقاء

مترجمات ْ

قصص قصيرة جدا

درَاسَاتُ إسمية

المَكْتَبَةُ الإلكترونية

الأغنية العربية

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

أدب الطفل

الألبوم المفتوحُ

 

 

 

 

 

قصائد شعرية

أبحاث في الترجمة

أبحاث  في الفن

أبحاث  في الإعلام

 

 

"وَرَاءَ كُلِّ عَظِيمٍ أَقْزَامٌ"

 

مجموعة قصصية

 

 

الشياطين لا تدخل بيوت الله

 

 

 

 

 

"المستبدّ يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته..."

 

عبد الرحمان الكواكبي

"طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"

دار الشرق العربي،  الطبعة الخامسة، 2003، ص: 27

 

 

 

 

 

والدي الطاعن في السن، الذي يقضي كل وقته غارقا في كرسي جلدي قرب عتبة الباب يسبح لله وبحمده كلما رآني شاردا غارقا في همومي، قطع تسبيحه ليغمغم لي:

- لا قنوط في ظل رحمة الله. القنوط من الذنوب والذنوب من الشيطان!

 

لا أدري سبب القنوط الذي يعتريني منذ دخولي مكتبي هذا: فلا شهية للعمل ولا شهية للكلام ولا شهية للإنصات ولا شهية لأي شيء من أي نوع...

 

لو اقترن هذا الإحساس الفظيع بالقنوط بيوم الاثنين، لفسرته بكونه اليوم الأول من أيام الأسبوع الطويل وبالغبن الذي ينتظرني في العمل لمدة تفوق الأسبوع بالعد الزمني النفسي. ولو اقترن بيوم الجمعة، لفسرته بكونه آخر أيام الأسبوع وآخر أيام الطاقة والقدرة على العطاء...  لكنه قنوط مزمن لا يبدأ ولا ينتهي. ووجدتني لأول مرة أطرح السؤال السحري الذي يفتح أبواب السماوات ويكشف الغيب:

- "لماذا يلازمني هذا القنوط؟"

 

ثم وجدتني أتخلص رويدا رويدا من قنوطي وضجري وبدأت أشعر بالتحفز لمعرفة الأسباب وبالنشاط في البحث وأحسست بنفسي أراجع المنقولات واللوحات والألوان والأصباغ في المكتب كمن يدخله لأول مرة...

 

المكتب مزين ومؤثث على أيدي أخصائيين في فن التصميم والديكور صمموه على معايير علمية هدفها بعث النشاط والحيوية في نفوس الموظفين داخل المكتب، وهي الحيوية التي لم أشعر بها في يوم من الأيام على مر السنين الثلاثة عشرة التي قضيتها بين هذه الجدران. وهذا أيضا ما يتعارض، بشكل صارخ، مع الأسس العلمية التي انطلق منها المصممون تماما كما يتعارض، من جهة أخرى، مع النتائج الإيجابية التي حققتها نفس التصاميم والديكورات في مؤسسات أخرى في مغارب الأرض ومشارقها. فلماذا يفشل هذا هنا، وهنا فقط؟!

 

ثم وجدتني أبحث عن الأشياء التي توجد داخل المكتب والتي لم يدرجها المصممون في حساباتهم وتصميماتهم.

                                                     

أذكر أنني كنت أول من تسلم المفاتيح بعد انتهاء التصميم بل وأول من دخل المكتب. كانت الخزانة هنا بالفعل.  وكان هنا هذا المكتب العريض ووراءه نفس الكرسي الدوار. وكانت طاولة الاجتماع هنا أيضا وحولها هذه الكراسي العشرة. كما كانت هنا هذه الستائر الحريرية الزرقاء والزربية التركية القرمزية. ثم إنني أذكر أنني كنت سعيدا بالمنظر والألوان والأشكال وطرق تنظيم الفضاء وتأثيثه.

 

الآن فقط، أشعر بتلك السعادة تعود إلي من الذاكرة لتضخ دماء جديدة من الحيوية والنشاط. ولكن ها هو القنوط يعود ثانية مع اللقطة الموالية العالقة بالذاكرة: لقطة اقتحام المدير لفضاء المكتب يتبعه من الخلف أربعة موظفين يئنون تحت ثقل أربع لوحات ضخمة لفخامة السيد الرئيس المعظم قبل أن يسمروها على الحائط بحيث اتسعت كل واحدة منها في جانب من الجدران الأربعة وربما لو كانت الجدران ألفا لحمل الموظفون ألف صورة لكي تطابق عدد وجوه المكتب وحيطانه. وبذلك، بدا السيد الرئيس في الصورة الأولى على الجدار قبالتي يقرأ، وفي الصورة الثانية على الجدار على يميني وهو يفكر، وفي الصورة الثالثة على يساري وهو يكتب، أما في الصورة الرابعة ورائي مباشرة فوق راسي بدا وهو يتواصل مع اللاأحد  مقتحما الفضاء بيدين مبسوطتين...

 

ثم وجدتني أتساءل: هل يمكن أن تكون هذه الصور هي سبب أزمتي؟

 

ولكنني، على ما أذكر، أشعر بالقنوط في كل مكان من هذا العالم. أنا أشعر بالقنوط حيثما حللت وارتحلت!

 

هل أحمل معي الصور في مخيلتي مؤبدا بذلك معاناتي؟

 

هل تطاردني الصور بقدرة سحرية لا أراها ولا أستطيع البرهنة عليها؟...

 

كيفما كان الحال، فالوعي بالأزمة هو مفتاح حلها. وهذا بالضبط ما علي فعله: مراقبة التغيرات التي تطرأ علي في الأزمنة والأمكنة المتغيرة.

دقت الساعة منتصف النهار فارتديت معطفي وتوجهت خارجا من المكتب نحو الباب في انتظار الناقلة. وكان أول ما خطف بصري هو صورة عملاقة لفخامة السيد الرئيس المعظم متدلية من سطح عمارة مقابلة ترفرف فوق شرفات سكان العمارة الذين، على مدار السنة، لا يستمتعون بضياء النهار الذي يحبسه قماش الصورة السميك.

 

أخيرا، وصلت الناقلة وقد صبغ على جانبيها صورة براقة لفخامة السيد الرئيس المعظم وهو يبتسم مادا يديه لتحية شعبه الأبي. وكانت نشوة عظيمة أن أع  المد والجزر الإيقاعي الذي يرقصه القنوط داخلي مع تعاقب الصور أمامي.

 

نزلت أمام السوق المركزي، ولما ارتفع إيقاع القنوط داخلي، رفعت عيني لأرى الرايات الوطنية ترفرف فوق رأسي وبينها سمرت صور متباينة لفخامة السيد الرئيس المعظم. طأطأت رأسي ودخلت السوق لأقتني حاجات البيت التي ينتظرها مطبخ منتصف النهار.

 

أمام الجزار، خطفتْ بصري صورة ضخمة معلقة في قاع الدكان قبالة الزبناء: صورة فخامة السيد الرئيس المعظم وهو يذبح خروف العيد وحاشيته تمسك بتلابيب جلبابه الأبيض.

 

وأمام الخضار، جذبتْ نظري صورة ضخمة معلقة في قاع الدكان قبالة الزبناء: صورة فخامة السيد الرئيس المعظم وهو في حقل تطل منه كل أنواع الخضر التي لا يجمعها لا الزمان ولا المكان.

 

وأمام بائع السمك، استحوذتْ على اهتمامي صورة ضخمة معلقة في قاع الدكان قبالة الزبناء: صورة فخامة السيد الرئيس المعظم وهو فوق الصخور المحاذية للبحر يظهر للكاميرا صيده الثمين، سمكة كبيرة تتلوى من خيط قصبته في الهواء.

 

دخلت مخدعا هاتفيا لأخبر زوجتي بنوع السمك الذي وجدته فامتصتني  صورة ضخمة معلقة على جدار المخدع لفخامة السيد الرئيس المعظم وهو يتحدث في الهاتف.

 

في الهاتف، ذكرتني زوجتي باقتناء رواية "ذهب مع الريح" بعدما شاهدتها فيلما سينمائيا وأحبتها. وهذا ما يعني عودتي إلى المكتبة التي تبعد عن السوق بعشر دقائق مشيا على الأقدام. وهناك قابلت فخامة السيد الرئيس المعظم يقرأ كتابا داخل الصورة الضخمة التي علقها الكتبي بعناية قبالة زبناء المكتبة.

 

ولأن العطش تمكن مني، دخلت أقرب مقهى لأشرب أي شيء لكن ليس قبل فخامة السيد الرئيس المعظم الذي وجدته في صورة عظيمة فوق رؤوس الرواد يشرب من فنجان لا أدري هل كان شايا أم بُنّا أم كحولا ولكنه كان دائما يسبقني إلى كل شيء حيثما حللت وارتحلت مهما غيرت اتجاهاتي...

 

الآن، صدى آذان الظهر يدوي في كل مكان.

 

وضعت حذائي ومحفظتي وسلة مشترياتي عند باب المسجد واستقمت لأداء تحية المسجد ولكن إحساسا غريبا تملكني فجأة.

 

لم أعد قانطا.

 

لا أحس بأي شكل من أشكال الضجر والقنوط والسأم والملل.

 

ثم وجدتني كالمجنون أحملق في جدران المسجد بحثا عن صورة لفخامة السيد الرئيس المعظم.

 

أصوب نظري ذات اليمين...

 

ذات الشمال...

 

إلى الأمام...

 

إلى الخلف...

 

إلى الأعلى...

 

إلى الأسفل...

 

انتبه أحد المصلين إلى نظراتي وحركاتي المجنونة فاقترب مني وربت على كتفي وهو يهمس مطمئنا:

- لا تقلق، يا سيدي، فالشياطين لا تدخل بيوت الله!      

 

 

 

21 يناير 2011

 

 

 

 

العودة إلى مواد المجموعة القصصية

 

 

مُدُنُ الأقزام

من "غرنيكا" إلى "غزةْ"

"بَطْنِسْتَانْ"

أرض الانقلابات

وراء كل عظيم أقزام

خليفة الله في أرْضه

ضرائب مستحقة للعظيم

العظيم وطواحين الريح

في أزبالنا كل أسرارنا

صورة الأب العظيم

الجريمة والعقاب

إِنِّي  خَيّرْتُكُمْ، فَاخْتَارُوا!

مباراة شغل خاصة بالمتفوقين

حملة انتخابية

تَصْفيقات

"عَبْزْفْ"، القِرْدُ الهَجَّاءُ

نظرية الانفجار الأعظم

الشياطين لا تدخل بيوت الله

صدمة القزم: الوعي بالذات

حذاء خاص بوجوه العظماء

"مدينة بوفراح"

 

خريطة الموقع

 

 

روايات

بَيَانَاتُ أدبية

"الحاءات الثلاث" مضامين الغد

مجاميع قصصية على الخط

 حِوَارَاتٌ مع الرَّيْحَاني

 حِوَارَاتٌ من الشرق والغربٌ

مجاميع قصصية مشتركة

درَاسَات سِيميَائِيَةُ للأسماء

دِفَاعًا عَنِ الْقِرَاءَةِ

السيرَةُ الذَّاتِيَةُ

المَكْتَبَةُ الإِلكْتْرُونِيَةُ

رهانات الأغنية العربية

ENGLISH

FRANCAIS

الصفحة الرئيسية

 

 

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

 

ALL RIGHTS RESERVED

 

e-mail : saidraihani@hotmail.com

 

<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory2-index.htm</title>

<meta name="description" content="أعمال محمد سعيد الريحاني القصصية، حذاء خاص بوجوه العظماء، أبو القاسم الطنبوري، نوادر العرب، الطاغية، قزم، وراء كل رجل عظيم أقزام writing">

<meta name="keywords" content=" نصوص قصصية-  كتابات سردية- سرد- مجموعة قصصية">