رَيْحَانِيَاتٌ |
||
|
|
|
|
|
|
|
|
"وَرَاءَ كُلِّ عَظِيمٍ أَقْزَامٌ"
مجموعة قصصية
ضرائب
مستحقة للعظيم
"الاستبداد يتصرف في أكثر الأميال الطبيعية والأخلاق الحسنة فيضعفها
أو يفسدها أو يمحوها فيجعل الإنسان يكفر بنعم الله لأنه لم يملكها حق الملك ليحمده
عليها حق الحمد، ويجعله حاقدا على قومه لأنهم عون لبلاء الاستبداد عليه؛ وفاقدا حب
وطنه لأنه غير آمن على الاستقرار فيه ويود لو انتقل منه؛ وضعيف الحب لعائلته لأنه
ليس مطمئنا على دوام علاقتها معها؛ ومختل الثقة في صداقة أحبابه لأنه يعلم منهم
أنهم مثله لا يملكون التكافؤ؛ وقد يضطرون لإضرار صديقهم بل وقتله وهم باكون. أسير الاستبداد لا يملك شيئا ليحرص على حفظه لأنه لا يملك مالا
غير معرض للسلب ولا شرفا غير معرض للإهانة. ولا يملك
الجاهل منه آمالا مستقبلة لتبعها ويشقى كما يشقى العاقل في سبيلها."
عبد الرحمان الكواكبي
"طبائع الاستبداد ومصارع
الاستعباد"
دار الشرق العربي، الطبعة الخامسة، 2003، ص: 85
قرأ
العظيم، على صفحات الجريدة الأجنبية، أخبار البناء العشوائي والأسواق
العشوائية والمزابل العشوائية في بلده، فأبرق إلى وزير فائض الأرباح في
حكومته كاتبا:
- تتساهلون مع المستفيدين من
الأزمات والكوارث، فأين حقي مما تربحونه في صفقات التساهل؟!...
فور
قراءته للبرقية، كتب وزير فائض الأرباح إلى مناديبه
الإقليميين:
- تتساهلون مع
المستفيدين من الأزمات والكوارث، فأين حقي وحق فخامة السيد الرئيس مما
تربحونه في صفقات التساهل؟!...
مباشرة بعد قراءة البرقية، كتب كل مندوب إقليمي برقية إلى ممثلي السلطة المحلية
في إقليمه:
- تتساهلون مع
المستفيدين من الأزمات والكوارث، فأين حقي وحق سعادة الوزير وحق فخامة
السيد الرئيس مما تربحونه في صفقات التساهل؟!...
وجد
ممثلو السلطة المحلية البرقيات المؤرخة بتاريخ الأمس على مكتبهم في صباح اليوم
الموالي. لذلك، كانت أول أوامرهم الصباحية موجهة لأعوان السلطة والقوات المساعدة:
- تتساهلون مع
المستفيدين من الأزمات والكوارث، فأين حقي وحق سيادة المندوب الإقليمي وحق سعادة
الوزير وحق فخامة السيد الرئيس مما تربحونه في صفقات التساهل؟!...
خرج
أعوان السلطة وأفراد القوات المساعدة، مذعورين، يجرون في كل الاتجاهات: يطارِدُون
هنا أحيانا من لا سند له في الحياة ويُطارَدُون هناك أحيانا أخرى من طرف من تجذروا في المكان والزمان؛ يهجمون تارة على المحلات التجارية
التي لا أرقام لها ولا عناوين بريدية ويُهاجمون بالحجارة تارة أخرى عند التفكير في
الوصول إلى المحلات الأكبر المنتسبة للأسماء الأثقل. يجرون
أكياس مالية في هذا الشارع نحو مكتب ممثل السلطة المحلية ويجرون زميلا جريحا في
الشارع الآخر نحو المستشفى...
بعد
إيداع الغنائم على مكتب رئيسهم، أومأ ممثل السلطة المحلية للسكرتيرة الخاصة ببداية
تحرير رسالة لإرفاقها بالأكياس المالية الموجهة رأسا إلى السيد المندوب الإقليمي:
- هذه حصتكم، سيدي
المندوب، وحصة سعادة الوزير وفخامة السيد الرئيس بعد خصم
الضريبة المستحقة لي ولأعواني!...
وصلت الرسالة بعد الزوال، رفقة رسائل وأكياس مالية أخرى من باقي ممثلي السلطة
في الإقليم. فتحها المندوب الإقليمي قبل افتتاح أشغال
الاجتماع الطارئ الذي ينتظره في القاعة المجاورة. حسب المال في الأكياس، في نفس
اللحظة وبنفس الطريقة التي كان يتصرف بها نظراؤه المناديب في باقي أقاليم البلاد، ثم حرر رسالة إلى وزير
فائض الأرباح وأرفقها بأكياس المال بعدما خصم نصيبه منها، كاتبا:
- هذه حصتكم، سعادة
الوزير، وحصة فخامة السيد الرئيس بعد خصم الضريبة المستحقة لي ولممثلي
السلطة المحلية وأعوانهم!...
وصلت الرسالة رفقة الأكياس المالية إلى يد وزير فائض الأرباح في اليوم
الموالي لكنه لم يستطع قراءة مئات الرسائل التي تقول نفس الشيء واكتفى بحساب المال
في الأكياس قبل أن يكتب للعظيم عند الغروب:
- صاحب الفخامة السيد الرئيس، هذه
حصتكم بعد خصم الضريبة المستحقة لي ولمندوبي الإقليمي وممثلي السلطة المحلية
وأعوانهم!...
وصلت
الرسالة إلى يد العظيم في نفس التوقيت وبنفس الطريقة التي وصلت بها رسالة وزير الشفافية ورسالة وزير محاربة الرشوة
ورسالة وزير حماية المال العام ورسالة وزير التكافل الاجتماعي
ورسالة وزير الإصلاح الديني ووزير الإقلاع الاقتصادي وووزير الانبعاث الثقافي... ومرفقة بنفس العدد من الأكياس المالية.
ولأن
عدد الأكياس بالكاد اتسعت له مائة شاحنة، فقد اكتفى العظيم بابتسامة رضى
على طاعة مرؤوسيه وفورية تفاعلهم مع أوامره. وبإيماءة من يده، رُفِعَت الحواجز
أمام الشاحنات لتسهيل مرورها إلى "مخزن المال" حيث سيتكفل
بِعَدِّ القطع النقدية والأوراق المالية
خدم يعيشون حياتهم لعدِّ المال وفرز فئاته وإبلاغ العظيم بنمو
رأسماله في "مخزن المال"،
بعيدا عن عيون المتلصصين، من خصوم الداخل، في الأبناك
العمومية وَمَحْمِيّاً من التصنيفات الدولية لأغنياء العالم التي يشرف عليها خصوم
الخارج لتحريض خصوم الداخل وإذكاء نار الفتنة...
أما
العظيم، فقد طلب جريدة أجنبية أخرى تتناول عورات سياسته لتلهمه تخريجة جديدة لجني الموارد والغنائم والأرباح والضرائب...
بتاريخ:
السبت 7 أبريل 2012
العودة إلى مواد المجموعة القصصية
إِنِّي خَيّرْتُكُمْ، فَاخْتَارُوا!
"عَبْزْفْ"، القِرْدُ الهَجَّاءُ
خريطة الموقع
جميع
الحقوق محفوظة للمؤلف
ALL RIGHTS RESERVED
e-mail : saidraihani@hotmail.com
<title>http://www.raihanyat.com/arabicversion-shortstory2-index.htm</title>
<meta
name="description" content="أعمال محمد سعيد
الريحاني القصصية، حذاء خاص بوجوه العظماء، أبو القاسم الطنبوري، نوادر العرب،
الطاغية، قزم، وراء كل رجل عظيم أقزام writing">
<meta name="keywords" content=" نصوص
قصصية- كتابات سردية- سرد-
مجموعة
قصصية">